مزاح.. ورماح

اللحن يختلف..

أحمد حسن الزعبي

الصيف موسم الخدر بطبيعته، فالحرّ المتسّرب من جدران الأسمنت وقت الظهيرة، ولهيب الشمس الممعن في النوافذ والشبابيك،لا يشجّعان المرء إلا على الاسترخاء والنوم أو الهدوء والراحة.

ما أن يتمدّد صاحبنا على سريره عائداً من عمله، حتى تشتغل أغاني شعبان عبدالرحيم بـ«رتمها» المعروف من الشقة المقابلة، يتقلّب قليلاً، يغطي رأسه بالوسادة دون جدوى، الصوت أقوى من كل موانعه ومصدّاته، ينزل عن سريره يتفقد النوافذ والأبواب جيداً، يغلق الموارب منها ويعود إلى قيلولته، إلا أن أرضية الشقة كلها تهتز على نغمة «هيييييي» الخاصة بالحاج شعبان، وعلى طريقة مسلسلات الكارتون وضع قطعتي قطن في أذنيه، ومع ذلك بقي الصوت، يهزهز أرجل السرير، ويحدث رنيناً في أدوات المطبخ المعلّقة، خرج الرجل عن صمته لبس ثوباً لائقاً، وخرج إلى شقة الجار، ضرب الجرس، فخرج إليه صاحب الشقة يرتدي «شورتاً قصيراً وفانيلة»، عرّفه بنفسه، وطلب منه أن يخفض قليلاً صوت الأغاني الخارجة من «السيستم»، هزّ الجار رأسه، وكل منهما عاد إلى شقته، بعد هذا العتاب القصير، لم يتغير أي شيء في منظومة الإزعاج، اللهم أوقف الجار الطروب أغنية «أنا بحب أعمل كده»، ووضع مكانها أغنية «ما بتهدّدش»، من الألبوم نفسه، تقدّم بشكوى إلى صاحب البناية، لكن الأخير لم يحرّك ساكناً، وبالتالي مضت شهور طويلة على هذه الحالة، في وقت الراحة تبدأ «الشعبانيات» بالعمل دون توقّف بالكلمات نفسها واللحن والاهتزاز و«الهييييي» المعروفة، حتى صار يعرف صاحبنا مواعيد الأغاني حسب الأيام، يعني: أيام الأحد والإثنين والثلاثاء «أي خدمة، دنيا يا دنيا، أنا بكره إسرائيل، سيبني أعيش»، وأيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت «يا دنيا ليه، مين قساك، يا قلبي أبكي، صالحت صاحبي، خليك فريش، ما بتهددش».

وفجأة، بدأت تصدح أغاني أحمد عدوية في التوقيت نفسه وبقوة درجة الصوت نفسها ومن الشقة نفسها، صاحبنا الذي يعاني الإزعاج اليومي انتبه إلى هذا الاختلاف الطفيف في صوت المطرب، وأسماء الأغاني، لكنه لم يأخذ في الأمر كثيراً، سيما أن حق التجاور لم يحترم منذ اليوم الأول، وأثناء تفكيره في سبب هذا التغير من شعبان إلى عدوية، قرع أحدهم جرس بيته، فتح صاحبنا الباب وإذا بالمؤجّر يقف أمام شقته، مبتسماً منفرجاً، يحمل له البشارة:

أبشّرك المستأجر تبع شعبان عبدالرحيم رحل، أمس.

- الحمد لله.. طيب مين أجا مكانه؟

- المؤجر: مستأجر جديد من عشاق أحمد عدوية، بس بذمتك كيف شايفه؟

- شو شايفه؟ «السيستم» نفسه، والكلام نفسه، بس اللحن يمكن اختلف شوي!

***

ما أردت قوله: لا تغيير في مغادرة أحمدي نجاد، وقدوم حسن روحاني، «السيستم» نفسه، والكلام نفسه «بس اللحن يمكن أن يختلف قليلاً!».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر