أبواب

روايتنا وروايتهم

يوسف ضمرة

المصادفة وحدها هي التي جعلتني أقرأ رواية ماريو بارغاس يوسا «شيطنات الطفلة الخبيثة»، بعد قراءتي رواية لكاتب عربي معروف، وعلى الرغم من طول رواية يوسا مقارنة بالرواية العربية، إلا أنني انحزت إليه، وأخذتُ أفكر في أمر الرواية العربية، وتساءلت: ما الذي ينقص الروائي العربي كي يكون مبدعاً لا ثقيلاً على قارئه؟

أظن أن المسألة لا تتعلق بالروائي، مقدار تعلقها بعناصر أخرى، فالرواية كما هو شائع وصحيح على ما يبدو، هي ابنة المدينة، وحين نقول ابنة المدينة، فإننا لا نقصد أن تجري أحداثها ووقائعها حصراً في المدن، ولكننا نعني أن هنالك بيئة مدينية قادرة على تشكيل وقائع روائية، فالرواية أيضاً كما يقال، هي ملحمة الفرد، على عكس الملحمة الشعبية والأسطورة، ولكي تكون لدينا ملحمة الفرد، فإنه لابد من تشكل الفرد ككيان مستقل، يتصرف وفق هذا الشعور بعيداً من الارتباط القسري بالجماعة، هذا لا يعني أن الرواية فن العزلة وتفكك المجتمع، فكما أن هنالك ما يسمى بالوحدة في التنوع فنّياً، فإن هذا الأمر ينطبق على الأفراد والمجتمعات، وحتى عندما يتحدث ماركس عن صراع الطبقات، فإنه يتحدث عن نخب ثقافية تقود الطبقات المسحوقة لتحقيق العدالة، حيث لا يصح لأي كان أن يصبح قائداً، وهذا يعني تميزاً فردياً بالضرورة، حتى وهو يصب مباشرة في خدمة الجماعة.

لا يضير ماريو بارغاس يوسا أن عدداً من أبطاله الأساسيين لم يكونوا معنيين بالهم الجمعي عناية مباشرة، ريكارديتو والطفلة الخبيثة ذات الأسماء والهيئات المتعددة، لم ينخرطا في مجموعة أخرى من البيروفيين الذين كانوا يعدون لحرب عصابات في البيرو، لكن أياً من أصدقائهما لم يلمهما على هذا الموقف، ولم ينتقدهما لأنهما اختارا طرقاً خاصة بهما، فالإنسان ذو الكيان الحر والمتشكل يمتلك جرأة إنسانية ومسؤولة في اتخاذ قراره الشخصي المتعلق بحياته وحاضره ومستقبله، وليس مضطراً للانخراط في طاحونة الجماعة إرضاء للجماعة لا قناعة بما يفعل، بل إن الطفلة الخبيثة استغلت الثورة للهروب من البيرو وتحقيق مآربها الشخصية، وقد علمتنا الثورات أن هنالك من الشباب من يحمل السلاح، وأن هنالك آخرين يواصلون دراسة القانون والموسيقى والأدب.

الشخصية الروائية الأجنبية معنية بتقديم كشف حساب فردي لقارئها، تقدم تجربتها الشخصية التي تستحق أن يطلع عليها القارئ، وهو ما يجعل الحكاية تشكل أهم عنصر في الرواية، الوقائع والأحداث التي جرت لهذه الشخصية، ولماذا فعل ذلك ولم يفعل هذا، بينما الرواية العربية -والاستثناءات قائمة دائماً- مشغولة غالباً بتقديم الأفكار والمفاهيم والتنظير للفعل والحياة العامة، منصرفة عن قضية الشخصية الأساسية.. حياته الخاصة ككائن بشري مسؤول عن مستقبله ومصيره بصرف النظر عن قيام ثورة جماهيرية أو لا.

صحيح أننا أصبحنا في العالم العربي نتناول أطباق الطعام العصرية، وصحيح أن كثيراً منا يجيد لغة أجنبية على الأقل، وصحيح أننا نسافر ونتعرف إلى تلك البلاد الغريبة، ولكننا في المحصلة نعود أرقاما في القبيلة والعشيرة والحي، ويفكر الواحد منا ألف مرة ويستشير أقاربه ومعارفه قبل اتخاذ قرار يتعلق بحياته هو، برغباته وطموحاتها وآماله هو. أيتها الطفلة البيروفية الخبيثة، ما أنبلك وأنت تجوبين الحياة طولاً وعرضاً من دون أن تستأذني أحداً حولك، فكنت شخصية روائية ثرية وحية إلى الأبد.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر