مزاح.. ورماح
«ويكيليكس» اجتماعي!
في منتصف السبعينات من القرن المنصرم، كان تليفون «أبوقُرص» قمة التكنولوجيا العصرية، ومحظوظ جداً من يكون في حيّه أحد الأثرياء الذي استطاع أن يقتني «جهازاً» وخط تليفون معاً، وذلك ليستطيع التواصل مع أبنائه المغتربين، للعمل أو الدراسة، كل شهر أو شهرين مرّة واحدة، وكان في العرف أنه في كل مكالمة يأخذ صاحب الحاجة هدية ذات قيمة بدل استخدام التليفون، فقط للحفاظ على مزاج «المالك» الهادئ، قبل أن يفصل الخط أو يقطع الحرارة.. بالمناسبة أذكر أن والدي، رحمه الله، استطاع أن يشتري جهازاً ثابتاً مستعملاً في عام 1980، لكن لم يتمكن من الحصول على رقم من شركة الاتصالات، وبقي التليفون مخبأً في الخزانة حتى عام 1984، مع راديو «مكسور نصفه».
على أي حال كان تليفون «القرص» يحتاج إلى شخص طويل بال، صبور، حكيم، يتمتّع بتركيز عالٍ، كما أن استخدامه لا يفيد في الأمور الطارئة على الإطلاق، لذا أعتقد أن نسبة الوفيات في ذلك الزمن كانت مرتفعة أضعاف ما هي عليه الآن، بسبب تليفون «أبوقرص»، فمثلاً إذا أردت أن تطلب رقم الدفاع المدني أو المستشفى لحالة طارئة، وأدرت رقم تسعة 360 درجة، فإنه يحتاج إلى 20 ثانية حتى يعود إلى مكانه، وتتمكن من إضافة الرقم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، وإذا كان رقم المستشفى أو الطبيب الخاص يتكون من ستة أرقام - من دون وقوع أخطاء - فإن المريض «سلامة تسلمك».
**
تذكّرت تليفون «أبوقرص»، واستذكرت كيف انتشرت الهواتف الأرضية بأنواعها وأشكالها المختلفة، ودخول «البليب» و«البيجر» بداية التسعينات، ثم الهواتف النقالة، ثم النقالة الذكية، عندما قرأنا عن فضيحة التجسس الأميركية على الهواتف والبريد الإلكتروني، التي لاتزال تتفاعل حول العالم، والتي كشفت التقارير أنه تم التجسس على مستخدمي البريد الإلكتروني و«الموبايلات» من مختلف دول العالم، وهناك «تريليونات» من الرسائل التليفونية المسجلة و«الإيميلات» المتناقلة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني الخاص بين سكان هذا العالم قد رصدتها الولايات المتحّدة الأميركية.
وتقول «فايننشال تايمز» إن تجارة البيانات وأسرار الأشخاص تحولت إلى «بزنس» عملاق حول العالم، فيتم بيع وتداول هذه البيانات بأسعار زهيدة، لن تتجاوز «نصف دولار» لبيانات كل ألف شخص.
تذكرون «ويكيليكس» وفضائح المراسلات السياسية بين وزارات الخارجية في العالم والدبلوماسية الأميركية كم خلّفت من زلازل، فماذا لو تم تسريب معلومات الناس العاديين الشخصية عبر «ويكيليكس» اجتماعي؟
أهون النتائج: سيتحول نصف سكان الكرة الأرضية إلى «عزّابية»، بسبب حالات الخلع والطلاق، عندها ستقولون «يرحم أيامك يا أبوقرص».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.