مرحباً يا شهر القرآن

أهلَّ علينا {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هُدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} شهر رمضان الذي تتوالى فيه فيوضات الرحمن، شهر رمضان الذي فيه الهدى والغفران؛ أهلَّ علينا هذا الشهر بعد طول انتظار وترقب، حبسنا لوصوله أنفاسنا، نتطلع لساعة وصوله برغبة ونهَم؛ لنحقق فيه رغباتنا في الصيام والقيام وتلاوة القرآن، ونزكِّي فيه أنفسنا بالصدق مع الله في العبادة، ونغذي فيه أرواحنا بالأنس به سبحانه، ونهذب أخلاقنا بالإحسان وصفاء الجَنان وصون اللسان؛ لأنه الشهر الذي تتضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، وتسكب فيه العبرات، بين يدي رب البريات؛ ليحط الخطايا والسيئات، ويرفع الدرجات، أهل علينا هذا الشهر لنكون فيه من المتقين، ونرقى فيه لدرجة المحسنين، فننال منزلة المحبوبية لدى رب العالمين. هذا هو شهر رمضان الذي فرض الله علينا صيامه، وأشار إلى عِلِّية فرضه بالتحديد أنه شهر تَنَزُّلِ القرآن على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالرسالة ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العرفان، وهدي الملك الديان، وجعل رسالته ذات دستور إلهي، شرع لهم فيه ما يصلح حالهم ومآلهم، في ذات أنفسهم ومع مولاهم، في عباداتهم ومعاملاتهم، مع أنفسهم ومع غيرهم، وفي سلمهم وحربهم، شرع لهم فيه ما يغنيهم عن غيرهم، فيه الضياء والهدى والنور، وما يصلح الأمة في مختلف البلدان والعصور، أنزله الله تعالى في هذا الشهر، وجعل صومه فريضة ليكون صومهم جزءاً من شكر الله تعالى على نعمة تنزله، وموسماً لقراءته وتدبره، ومحطة يتوقف فيها المسلم لمراجعة نفسه في تطبيقه؛ فهو الكتاب الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وهو حكم الله {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} وهدي الله الذي هو أحسن هدياً لقوم يعقلون، أنزله الله بلسان عربي مبين، ليعرف ذو اللسان العربي دلالة ألفاظه، وكمال إعرابه، فيعمل به في نفسه، وينقله لغيره ممن يكتب الله لهم الهدى، أو يقيهم الردى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين للأمة بحاله ما عليها نحو القرآن في شهر رمضان كما روى ابن عباس قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، فكان جبريل عليه السلام يتنزل من السماوات العلا في هذا الشهر لمهمة خاصة وهي مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، يقرأ النبي تارة وجبريل يسمع، ويقرأ جبريل أخرى والنبي يسمع، فيتدارس القرآن من تولى الله تطمينهما بحفظهما له، لتكون مدارسته منهما تشريعاً لنا أن نفعل كفعلهما في شهر تنزله إن لم يكن ذلك في العام كله، وليس فقط لأنه شهر تنزله، وحُق لتنزله فيه أن يكون موسماً له، ولكن أيضاً ليكون الأجر المترتب على قراءته عظيماً، بعظم تضاعف الحسنات في شهر رمضان، فإن النافلة فيه كالفريضة في غيره، والفريضة فيه كسبعين فريضة فيما سواه، فإذا كانت النافلةُ نافلة قرآن الذي يكون للحرف فيه عشر حسنات فكم يكون أجر قراءة القرآن فيه؟!

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة