صيام وانفصام..
هناك أكثر من ستين ساعة درامية تلفزيونية يومية، على المواطن العربي المتثائب من المحيط الى الخليج أن يتابعها ليعرف التطور الحاصل على «كسم» منّة شلبي عن العام الماضي، وعلى أمواج الوزن الزائد التي طفت فوق محيط خصر إلهام شاهين بعد أن أطيح بمرسي.
تخيّلوا أن المواطن العربي يحتاج إلى يومين ونصف اليوم في اليوم ليتابع كل ما انتج له خصيصاً في هذا الشهر الفضيل، هل نحن بحاجة إلى كل هذا الكم من الدراما فعلاً؟ سيما وأن حياتنا كلها دراما.. سياستنا دراما.. اقتصادنا دراما.. رياضتنا دراما.. حياتنا اليومية العادية دراما أيضاً.. هل تصدقون أنه من كثرة المسلسلات التي تنهمر علينا في الثلاثين يوماً.. صرت أخربط بين أمي وحياة الفهد.. وبين خالي ويوسف شعبان.. وحماتي وعمر حجّو.. وبين زوجتي ومنى واصف.. حتى صرت أخلط بالكلام وطريقة الأداء.. فجأة أتكلم مصري مع صاحب الملحمة ثم أقلب إلى شامي مع معلم القطايف.. ثم أنتقل إلى الخليجي من دون قصد وأنا أتسوق في السوبر ماركت.. وأعود الى بيتي بالبدوي الأردني.. وغالباً ما أتكلم مع المرآة على أساس أنها الكاميرا، وأجري مونولوجاً حزيناً يلخّص حالتي التي وصلت إليها..
ثم لا أدري لِمَ تتكبد شركات الإنتاج كل هذه المبالغ، وكل هؤلاء النجوم والمعدات لينتجوا لنا مسلسلاً من ثلاثين حلقة، بينما الدراما العربية لم ولن تنقطع طوال السنة، فالأكشن في سورية.. والديني في مصر.. والبوليسي في ليبيا.. والاستعراضي في لبنان.. والفوازير في تونس.. والمدبلج في العراق.. والبدوي في الأردن والخليج! والتاريخي في فلسطين.. والرومانسي في (إسرائيل)! والريموت بيد الولايات المتّحدة الأميركية.. تقلب الشاشة متى تشاء وكيفما تشاء لتجعل العالم يتابع ما تريده هي.. وعلى مزاجها..
بالمناسبة بعض ما تشاهدونه من مواقف أممية هنا أو هناك لا يعدو أن يكون «دعايات» و«فواصل إعلانية» بين مسلسلين مشتعلين بالدم والنار.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.