أحمد الشقيري.. شكراً
في زمن ما، كانت «بوسة» عابرة على الشاشة المحلية أو على القنال الأجنبي، كفيلة بأن ترفع التلفزيون الأبيض والأسود على «السدّة» شهراً كاملاً.. كعقوبة للمتفرّجين من جهة، ولإثبات منسوب الورع العائلي من جهة أخرى، لذا ما أن يقترب وجه البطل من وجه البطلة 40 سم تقريباً، حتى تسمع أصواتاً متناثرة من العائلة، تردد الكلمة نفسها: «غيّر.. غيّر.. غيّر».
لا أدري هل تغيّر مفهوم الحياء أو «قلة الحياء» مع مرور الزمن، أم تغيّرنا نحن؟ فمن خلال متابعتي ما يعرض على قنوات عربية المنشأ والإدارة والملكية، أجد أن الأعمال الدرامية تزيد موضوعاتها حساسية، ومشاهدها سخونة، وحياؤها قلة، في رمضان تحديداً! وأن تنافساً في الإنتاج محوره من يقدّم وجبة أكبر من الجنس.. والرقص.. والمخدرات.. وزواج القاصرات.. وعبدة الشيطان.. والخيانة الزوجية أكثر ليظفر بالصدارة، كما بات من الواضح أن هناك مبارزة خفية بين المخرجين أنفسهم، من يستطيع أن يرفع سقف الإثارة والغنج أكثر، ليكسب شريحة مشاهدين أوسع.
أنا لست متشدّداً، لكنني في الوقت نفسها لست منحلاً، كل ما نريده أن تقودنا فطرتنا لا غريزتنا في عيشنا وتفكيرنا.. بالله عليكم أي مُثُل وأخلاق وعفة سنقنع بها أولادنا، وهم يشاهدون معنا ممثلاً ينقض على ممثلة «ثلاثة أرباع عارية» في مسلسل عربي يبث في نهار الصيام؟!
كلمة حق أود أن أقولها.. من بين كل البرامج المطروحة أمامنا مثل «بوفيه مفتوح»، شخصياً لم يستهوني سوى برنامج «خواطر»، للمبدع أحمد الشقيري ـ من المحتمل هناك برامج مفيدة أخرى ـ لكن هذا الداعية القدير لم يُطل لحيته ليقنعني بإيمانه، ولم يشدّ على مخارج الحروف ليستنفر عاطفتي، ولم يثخن صوته أو يرفّعه ليوصل فكرته، كما أنه لم يتوعد بالسعير ولم يسهّل الدين ليكسب الجماهير، كل ما قام به هو أنه وضع المفارقة الحضارية بين يديك؛ بين عالمٍ طبّق مبادئ الإسلام بالفطرة، من دون أن يتدّين به، وبين عالمنا العربي! يختار لك أساليب عيش الشعوب في اليابان وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وأميركا وتركيا والبرازيل ودول أخرى، مبيناً كيف يدير الناس والحكومات هناك شؤونهم وأزماتهم بإخلاص وحرفية ورقي، وكيف نديرها نحن من الماء إلى الماء بالفزعة والهوجنة، لن أفسد ما يقوم به الشقيري.. تابعوه وستحكمون على ما أقول، أما أنا فمن واجبي أن أقول له: أحمد الشقيري شكراً لك، لأنك الوحيد الذي خاطبت عقلي واحترمته!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.