المقلب الكبير!
لماذا يصرّ العرب على إنتاج الكاميرا الخفية بدرجة إصرارهم على الوصول إلى كأس العالم لكرة القدم! في رأيي المتواضع أن الاثنين لا يمكن أن نفلح فيهما، فهما إما أن ينتهيا بإحباط شديد أو «فضيحة» تحتاج إلى سنوات طويلة حتى نتعافى منها.
كلما شاهدت شارة برنامج يدل على أنه «كاميرا خفية»، ورجلاً يصفع آخر أو يلحقه ليركله برجله اليمنى، دعوت من كل قلبي على صاحب فكرة الكاميرا الخفية كائناً من يكون، متمنياً أن تصّب كل هذه الترويعات وهذا الرعب وثقالة الدم في ميزان سيئاته إلى يوم الدين.
نحن شعوب، منهكة، متعبة، خائفة، مطاردة، هناك ألف كاميرا خفية تراقبنا في مأكلنا ومشربنا وتتبع خطواتنا، وأعصابنا لا تسمح بأن يمارس أحدهم مراقبة فوق المراقبة، حتى على سبيل المزاح، أو أن يحدث فينا مقلباً فوق «المقالب الــ إكس لارج التي أكلناها في حياتنا»، فالشعب العربي مغرق في المقالب والإحباطات، حتى إن أكثر الشعوب سعادة في الوطن العربي وأكثرنا أماناً وديمقراطية ورفاهاً اقتصادياً قد أكل «6000» مقلب على الأقل في حياته.
أما المواطن الغربي فهو يعرف حقوقه وواجباته جيداً، لا ترعبه كاميرا صغيرة تطل من «سيارة» متوارية، ولا حتى من أباتشي أو F16، وأي مقلب يتعرّض له أثناء حياته اليومية، لا يصنّفه سوى تحت بند سوء الطالع، يقابله بابتسامه وهزّة رأس بسيطة ثم يمضي، لذلك تجد أن الكاميرا الخفية هناك، كاميرا خفية وخفيفة وتعكس نفسية الإنسان الصحية!
أما عندنا فعلى العكس تماماً، تعكس الأمراض والعقد والترهيب الذي يعيشه الإنسان في بلادنا، جرّبوها بأنفسكم، من دون كاميرا خفية، إذا ما شاهدت مواطناً عربياً يمشي في الشارع فقط قل له «لو سمحت يا أخ» بصوت مرتفع! حتماً ستكتشف أن وجهه اصفرّ فجأة ولونه انخطف ونفسه تقطّع وهو يقول لك «تفضّل»، حاول أن تسأله عن عنوان أو عن شارع، تجده أخذ نفساً طويلاً أراح به صدره قبل أن ينطق بالإجابة، ترى ما سبب هذا الخوف والرعب! لأن لديه شعوراً منذ الولادة بأنه مراقب من قبل جهاز ما، في مكان ما، وسيلقى القبض عليه في زمان ما.
لاحظوا حجم التبرير والمسكنة الذي يقوم به الإنسان العربي أمام الكاميرا الخفية، لاحظوا كم وسيلة يستخدم ليدافع عن نفسه وعن ردة فعله، ليخلص من الورطة بسلام، وما أن يقول له في ختام المشهد «معاك الكاميرا الخفية» حتى يركض وراء صانع المقلب ليركله ويضربه ويعضّه ثم يعود ويبوسه!
حتى مشاعرنا مضطربة، ضرب وعضّ وبوس!
سبحان الله
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.