حقوق الإنسان في الإسلام وخطاب «مارتن»
الإنسان ذلك المكرّم عند ربه وخالقه ورازقه، له حقوق بشرية فرضها عليه وعلى إخوانه من البشر، ليحترم لأجلها، وليصونوها فيه، فلا تزهق روحه، ولا يُعتدى عليه في نفسه أو ماله أو عرضه أو حرية رأيه، فقد خلقه الله تعالى على الحنيفية التي ارتضاها لعباده، وفطره عليها، وأعطاه كامل الحقوق التي يحتاجها ويعيش بها عزيزاً كريماً، ولم يسمح لأحد من البشر أن يصادرها عنه إلا بحقها.
والعالم المتحضر - كما يسمي نفسه - يتذكر اليوم الخطاب الشهير للزعيم الأميركي الأسود «مارتن لوثر كنج» أمام الكونغرس قبل خمسين سنة، وهو ينادي بالمساواة والتجانس بين بني البشر، ويعتبرون خطابه ذاك أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي، ونحن الأمة المسلمة نشاطرهم هذا الشعور، ونشيد بذلك الخطاب الإنساني؛ لأنه يتفق مع منهج الإسلام، ويتفق مع الكرامة الإنسانية التي ينشدها كل إنسان، إلا أن العالم لم يرَ ذلك الحلم الذي تمناه «مارتن» لبني الإنسان، فأين هي الحقوق التي تمناها والعالم يرى ويسمع المجازر الوحشية بالأسلحة الكيماوية والتقليدية لذلك الإنسان الذي أراد بعض بني جنسه أن ينال شيئاً من حريته المسلوبة، وكرامته المنهوبة؟
فهل دعاة الحرية والديمقراطية يسمعون ويرون المجازر الفظيعة للإنسان في بلاد الشام، وبورما، وغيرها من العالم كله، خصوصاً الإسلامي منه، أم هم صم بكم عمي فهم لا يبصرون؟!
إن حقوق الإنسان مصونة في سائر الأديان وأعراف بني الإنسان، فهذا كتاب ربنا ينادي بأبلغ عبارة وأوضح إشارة قائلاً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، فأين هي الكرامة التي منحها الله تعالى إياه وهو قد سُلبها من بين يديه ومن خلفه ومن أمامه، فأصبح أسير القتل والنكال؟ هكذا هو الإنسان اليوم في المشرقين والمغربين، فلا داعي إذاً لتذكر خطاب «مارتن» لأن حلمه لم يتحقق، وينبغي للمتشدقين ببلاغته أن يلبسوا ثوب الحياء من خذلانهم للإنسان الذي يباد بالكيماوي كما تباد الحشرات، ويشرّد من أرضه فيهيم على وجهه لا يدري من يؤويه، وتدمر بيوته كما لو أصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فهم مع قدرتهم على منع هذا الدمار والإزهاق للأرواح مسؤولون أمام شعوبهم، وأمام التاريخ القديم الذي لم يشهد مثله، والحديث الذي سيسجله بالخزي المبين.
أما أهل القرآن الذين يتلون ويسمعون خطاب الرحمن، فعليهم أن يعوا أنهم مسؤولون أمام ربهم عن إخوانهم في العقيدة، وجيرانهم في القرب، وأهلهم في اللغة والعرف، فما هو الجواب عن ذلك السؤال الذي من نوقشه عذب، فهل جيران سورية يعرفون حقوق ذوي القربى والأهل والعشيرة؟ كلا.
إنهم شركاء في الجرم الكيماوي أو التقليدي، فقد أفصحوا بملء أفواههم أنهم يفعلون ذلك نكالاً بالسوريين شباباً وولداناً، ذكوراً وإناثاً، أرضاً وإنساناً، فهل يعون أن الجار وإن جار له حقوق، وأن من آذى جاره أورثه الله داره، بل إن ذلك دليل نزع الإيمان منهم، فقد قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» أي شروره.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .