المسحوق العربي..
إن ما يشاهده الإنسان العربي في سنة واحدة من ظلم وقهر وقتل واضطهاد وموت وتدمير يساوي ما يشاهده أي كائن بشري آخر في مئة سنة، ولو قورن العمر بالأحداث لاستحق الإنسان العربي أن يعيش 6000 سنة حتى يتحمل كل هذا العذاب، وعليه فإن ملعقة واحدة من مسحوق «الهم» العربي يمكنها أن تحل خزاناً كاملاً من الهموم، وإن مكعب «قهر» واحداً، سيضفي نكهة القهر المفلفل بالوجع على الكرة الأرضية بأكملها.
أحياناً أسأل نفسي: لماذا تركت أميركا وأوروبا كل قارات ومناطق العالم و«استلمونا»؟ ألا يوجد غيرنا في هذه الدنيا يصلح ليكون «ملطشة»؟ ألا توجد منطقة أخرى في العالم غير المنطقة العربية تصلح ساحة وغى، و«لوكيشن» مناسباً لحروب الآكشن؟ فما إن استفاقت الشعوب من غيبوبة الاستعمار، حتى دخلت في غيبوبة الاستهبال، ثم غيبوبة الاستعمار من جديد، وهي تفطر نزوحاً، وتتعشى احتلالاً، وتنام على التدمير، وتتعرّق تهجيراً، ثم تبيت على أروقة مجلس الأمن، من غير غطاء شرعي أو حتى شرشف وعود.
صدقوني، لا ألوم أطفالنا إذا ما استيقظ أحدهم وهو يفتح كامل فمه مطلقاً صفارات «الجعير»، فقط لينبه والديه إلى أنه استيقظ، ولا ألومه أيضاً إن فتح كامل فمه قبيل النوم متلازماً بـ«الجعير» كذلك، كإشارة إلى انتهاء الإرسال اليومي، ما دام يشاهد صباح مساء أطفالاً تستخرج من تحت الأنقاض، وآخرين في العراء، وآخرين في ملجأ للأيتام يدربون جيداً على الأكل بالشوكة والسكين وعلى الانضباط السلوكي عند غناء «بابا فين»، ما دام يشاهد نساء تبكي ودمى تغتال، ودماء تلون الجدار، لا ألوم الأطفال إذا ما طوى أحدهم على وجبة الإفطار كشرة بين حاجبيه بحجم قبضة يده، لأنه تذكر مشهداً لطفل يتصارع فيه مع ذبابة على سندويشة زيت وسكر، لا ألوم الأطفال إذا ما أشعل أحدهم سيجارة، وأسند ظهره إلى الحائط، وبات يتكلم عن أيام النزوح، فالطفولة عندنا «كهولة» مقنعة.
أشتهي أن أرى أياً من أطفالنا ينام وقربه دميته ككل أطفال الدنيا، منغمساً في البراءة والأمان. أبداً معظم أطفالنا ينامون وقربهم «فردة حذائه»، بعد مناوشات حدودية على اللحاف والفرشة مع الأخ الشقيق..
بصراحة، الإنسان العربي يستحق تعويضاً مجزياً في جنة الخلد.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .