التربية قبل التعليم

لقد هلَّ العام الدراسي محملاً بتطلعات الآباء، وهموم الأبناء، ذاك بما يؤمله في نجله، وذاك بما يرجِّيه لمستقبله، وكلٌّ يعلم أن عجلة التعليم لا تتوقف، فاليوم تعليم وغداً عمل، وبينهما أمل الأمة في جيلها المتجدد، وهو الأمل الذي تبذل له الدولة إمكانات ضخمة لتستثمر استثماراً لا يقبل الفشل، ولا يعرف الكلل. والذي يغيب عن هذا كله شيء واحد، إنها التربية التي هي الركيزة الأولى للتعليم، وهي صنوه في الاسم، لكنها غائبة بالفعل في كثير من البيوت والمؤسسات التعليمية، ليس نسياناً لها، لكن غفلة عن أهميتها ومعناها ومبناها.

فالتربية لها مفهوم واسع، واختزلت على السلوك الشخصي للطالب؛ بأن لا يكون مشاغباً، ولا ثرثاراً.. بينما تعني الجوانب الدينية والسلوكية والاجتماعية، ولابد من إشاعة هذا المفهوم الواسع للمدرس قبل الطالب.

فالجانب الديني أهم مهمات التربية؛ بأن ينشأ على مبادئ الإيمان والإسلام اعتقاداً وحفظاً وتطبيقاً، فيعلم معنى الإسلام، وكيف يكون مسلماً حقاً، ويعلم معنى الإيمان وكيف يكون مؤمناً حقاً، وذلك بغرس أسسهما في نفوس الناشئة قولاً وفعلاً واعتقاداً، فلا يكون مسلماً من لا يلتزم أسس الإسلام، وأن يسلم الناس من لسانه ويده، وأن يهجر ما نهى الله عنه.

ولا يكون مؤمناً من لا يؤمن بالغيبيات التي أتى بها الإسلام في نصوصه المحكمة، ويعتقدها كأنها حقائق ماثلة، فلا يتزعزع إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، وبالجنة ونعيمها، والنار وعذابها، والقبر وما فيه، والحشر بمعانيه، والصراط والميزان، والعرض على الملك الديان؛ لأن ذلك مقتضى الإيمان، أي التصديق بما أخبر الله تعالى ورسوله عنه، خبر يقين، كأنه رأي العين.

أما الجوانب السلوكية فهي من الأهمية بمكان، لأنها الأخلاق التي أتى بها الإسلام، واقترنت بالإيمان، فلا يكون الطالب ذا تربية وهو يكذب أو يغش أو ينم أو يسب أو يؤذي أو يخون، أو يقصر في واجب اجتماعي أو منهجي؛ لأن ذلك يتنافى مع سلوك الإسلام الذي جاء بالمُثل العليا التي تتمدح بها البشرية، وهذه سلوكيات لا تلقَّن بقدر ما تطبق، والأنموذج الأمثل في ذلك للطالب هو البيت ثم المدرسة، فإذا ضمن هذا السلوك في الطالب فهو أول نجاح يحققه في حاضره ومستقبله، والمستفيد الأكبر منه هو المجتمع كله دولة وأفراداً.

أما الجوانب الاجتماعية فهي الركيزة الأولى لبناء المجتمع المثالي الذي تهدف له الحكومة ببذلها السخي، وخططها المستقبلية، فهي تريد جيلاً يحمل همّ المجتمع لا يحمل همّ نفسه، وغراسُ هذا الهم هو الحقل التعليمي، وبذره المدرس والإدارة،  فيغرس في الطالب حب الوطن وولاة أمره، وواجب الطاعة لمن ولاه الله تعالى علينا حارساً حصيناً، وراعياً أميناً، وأباً حانياً، وحب المجتمع بجميع مكوناته من مواطن وعامل وزائر، وحب الحضارة التي صُنعت وتصنع للوطن والمواطن، وحب الطبيعة التي نغتذي منها ونتنفس فيها، ونسعد بها.

هذه معانٍ تربوية أساس التعليم، وليس فقط أن يحفظ المعلومات ليصبها في قوالب الإجابات، فذلك همُّ قاصري النظر في رسالة العلم وهموم الوطن.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة