الحج موسم العمر
يُعرَّف الحج بأنه «قصد بيت الله الحرام لأجل النسك مع أداء النسك»، فمن استطاع الحج ودخل فيه فليعلم أنه في عبادة عظيمة، اصطفاه الله تعالى لها، إذْ قصده بالنداء، وأكرمه بالإجابة، فعليه أن يعرف مَن قصد، وماذا يريد؟
أما قصده فهو وجه الله الكريم الذي يلوذ به عباده المؤمنون، يرجون رحمته، ويخشون عذابه، يريدون منه سبحانه التَّطوُّلَ عليهم بالفضل، وعدم معاملتهم بالعدل، وأن يطهرهم من معاصيهم، ويرفع درجاتهم حتى يتأهلوا لجنته، ويكرموا بإحلال رضوانه، والتلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم، في جنات النعيم.
هذه فلسفة الحج في الإسلام باختصار وافٍ، فمن يتأهل لأداء هذه المهمة فعليه أن يعرف كيف يؤديها حتى يكون صادقاً في حجه، وابتغاء وجه ربه سبحانه؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة أدائه على النحو الذي أداه رسوله صلى الله عليه وسلم، القائل «لتأخذوا مناسككم»، لأنه هو المبلغ عن الله مراده من خلقه، وقد نُقل لنا نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملاً واضحاً كأننا نشاهده، فقد لبى لله مخلصاً، وأفرد نسكه، وفعل الناس مثل فعله، إلا أنه أمر من لم يسق الهدي أن يجعل نسكه عمرة متمتعاً بها إلى الحج، ليبطل عادة الجاهلية التي كانت ترى أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ثم طاف بالبيت الحرام للقدوم، وهو يذكر الله كثيراً، وسعى سعي الحج كذلك ويقول للناس «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»، وبات يوم التروية بمنى، وغدا من صبح التاسع إلى عرفة، ووقف من بعد صلاة الظهر والعصر وخطبة الحج؛ داعياً مخبتاً لله حتى غربت الشمس، لم يفتر من عبادة ولا ذكر، ثم أفاض إلى مزدلفة، وبات فيها حتى صلى الصبح بغَلَس، ثم أفاض إلى منى ورمى جمرة العقبة وحلق شعره، فتحلل من إحرامه، ونحر أكثر هديه بيده الشريفة، ونحر الباقي ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم أفاض إلى مكة فطاف للإفاضة، وكان قد سعى بعد قدومه، ثم عاد إلى منى ليبيت ليالي التشريق ويرمي الجمار، ثم نفر النفر الثاني، وكان قد قال «من أدرك معنا هذه الصلاة ـ يعني صلاة الفجر بمزدلفة - وأتى عرفات، قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجُّه، وقضى تَفَثَه».
فهذا هو حج المصطفى للمتأسين به، فكان حجاً مفعماً بذكر الله، والإخبات له، لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق ولا جدال.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .