جزر الإمارات.. وعبقرية خالد!
لا يمتلك القدر الكافي من الفهم، ولا يتحلّى بالموضوعية والواقعية، كل من يعيّر الإمارات باحتلال جزرها من قِبل إيران، من يفعل ذلك ما هو إلا مترصد، يلبس ثوب الحماقة معتقداً أنها حماسة وشجاعة!
ما تفعله الإمارات هو الحكمة بعينها، والإجراءات الدبلوماسية والسياسية والطرق السلمية، عبر مطالبة إيران بقبول التحكيم الدولي، هي الأساليب الحضارية المعتمدة على المنطق والعقل والكياسة، أما استفزازات أولئك المنتقدين لهذا الموقف الحكيم، فهي معروفة الأهداف والدوافع، وآراؤهم المنتقدة لموقف الدولة من هذا الاحتلال، لا تثير ــ في كثير من الأحيان ــ سوى الضحك من شدة ضحالتها!
الإمارات دولة تلتزم بمعايير العلاقات الدولية الحديثة، وتلتزم بالقوانين العالمية، ولا يمكن لها أن تردّ على انتهاكات هذه القوانين بانتهاكات مماثلة، كما أنها دولة لديها من الإنجازات الشيء الكثير، هذه الإنجازات لم تتحقق بسهولة ويسر، بل هي نتيجة عمل وجهد وتعب قادة وشعب عظام لسنوات طويلة، ولا يمكن لها أن تتعامل مع الآخرين بمنطق «ليس لدينا ما نخسره»، بل إن المنطق والحكمة يستدعيان أن تحرج من يعاديك بالقانون وبالأدلة والوثائق، وتجعله يفقد توازنه رغم تفوقه العسكري، لأنه لا يملك سوى منطق القوة، وهي في هذا العصر ليست كل شيء!
الإمارات تتصرف بحضارة، تماماً كما تصرفت اليابان في خلافها مع روسيا بشأن جزر «الكوريل»، فهي تنادي بتطبيق القوانين، وتطالب بحقها بالأساليب السلمية الدبلوماسية، ولم يمنعها خلافها السياسي حول تلك الجزر مع روسيا من تبادل العلاقات الاقتصادية، وتنمية العلاقات التجارية معها، بل إن اليابان تتبادل مع روسيا علاقات ثقافية وحتى أمنية، وفي عام 2008، بلغ التبادل السلعي بين البلدين 30 ملياراً، ومع ذلك لم تلغِ هذه المليارات والتبادل التجاري إصرار اليابان على المطالبة بحقها في الجزر، كما أنها لم توقف الحياة الاقتصادية والتجارية مع غريمها بسبب الجزر.
إنه العقل والمنطق، وهي الدبلوماسية والحكمة، مع العلم بأن جزر «الكوريل»، المتنازع عليها والتي تسيطر عليها روسيا، هي عبارة عن 14 جزيرة، من ضمنها جزيرة «إيتوروب»، التي تبلغ مساحتها وحدها 3000 كيلومتر مربع!
في حين أن الأرجنتينيين لم يعتبروا الجنرال «جالتيري»، الذي تولى الحكم في ديسمبر عام 1981 شجاعاً، بمجرد أنه أمر قواته في أبريل عام 1982، بالهجوم على السفن الحربية البريطانية في جزر «فوكلاند»، المتنازع عليها بين البلدين، لأن نتيجة ذلك كانت نتيجة رقصة «التانغو» نفسها.. الراقصون الذين يتقدمون بسرعة، يبدأون في التراجع بسرعة أكبر، حيث أرسلت بريطانيا طائراتها و36 سفينة حربية، وألحقت الهزيمة المذلة بالجنود الأرجنتينيين، الذين استسلموا بعد أن لحق بهم اليأس، وتسببت الحرب في مقتل 649 جندياً أرجنتينياً، و258 بريطانياً، وانتهت بسقوط الجنرال الأرجنتيني!
من يعايرونا باحتلال الجزر يتجاهلوا ــ بعمد ــ معطيات كثيرة، لم أرهم يتجاهلونها عند الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، وعجز العرب ــ مجتمعين ــ عن تحرير فلسطين منذ الأربعينات، ويتجاهلونها مع كل اعتداء على دول عربية، أكبر منا عدداً وعدة، دون أي رد فعل «شجاع»، وفق معاييرهم للشجاعة من تلك الدول، لذلك فهي معايير مزدوجة، وكيل بمكيالين يستخدمونه في الحديث عن الإمارات، يجعلنا نتأكد من ضعف حجتهم وسطحية منطقهم!
ختاماً.. أذكّر هؤلاء بأن انسحاب القائد الفذ خالد بن الوليد، أمام جيوش الروم في معركة «مؤتة» أدى إلى تدريس هذه الخطة، تحت اسم «عبقرية خالد في الانسحاب التكتيكي» في الكليات العسكرية، فماذا يمكن أن يقول هؤلاء المتناقضون في عبقرية خالد؟ وهل كان من «الشجاعة» استمراره في قتال جيش مكون من 200 ألف مقاتل
بـ 2000 من المسلمين؟!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .