قانون التسليف والتفليس «2»
قال تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً»، وقال رسوله الكريم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يْومِ القيامَةِ»، إذن ماذا حدث لنا؟ وأين ذهبت تعاليم ديننا الحنيف؟ ولماذا لم نعد نكترث بالقيم والمبادئ الأخلاقية من هذا النوع بالذات؟ هل انعدمت الإنسانية فينا أم ماذا؟
أولاً أود التنويه بأن الديون لا تمت بصلة للزكاة أو الصدقات أو الأعمال الخيرية، لذا أكاد أجزم أننا من هنا سنجد مربط الفرس لتفكيك هذا اللغز الغريب، فالحقيقة أننا لم ننحرف عن أخلاقياتنا قط، بل مازالت متأصلة فينا وتجري مجرى الدم في عروقنا، لأننا لم ولن نتجرد يوماً من إنسانيتنا إلى يوم القيامة، ولكن بسبب تطوّر أساليب الكذب والخداع، ونمو نظم استغلال القريب قبل البعيد، واحتراف البعض مهنة النصب والاحتيال بعد التدريبات المكثفة لفنون المراوغة والغش، نتج عن ذلك وعي فكري كافٍ يُقاس بعدد اللدغات التي تعرّض لها المرء وبدرجة قوة الصفعة التي تلقاها، ليقف «قاب قوسين» في مرحلة فريدة من «الابتزاز العاطفي للذات»، كي يختار بين «نارين»: نار «الضمير الحي»، في أن يصبح مذموماً نفسياً ومذنباً قاسياً في عدم مساعدته محتاجاً، خصوصاً إن كان صديقاً له، أو نار «اللهاث المُهلِك» والركض خلف استرداد حقه، ناهيك عن عناء المهانة والتعب، حيث يخسر حينها أكثر من مجرد «مبلغ»، فمذاق «الخديعة» أشد مرارة من خسران «المال»!
إذن «من نصدق؟» خصوصاً أننا نجهل الغيبيات ولا نستطيع التنبؤ بالنيات الخفية. فتجدنا لا «نرفع القلم» إلاّ عمّن انضموا داخل حدودنا تحت حراستنا المشددة على خط «الثقة» الأحمر، حينها نكون متأكدين تماماً من النتيجة، فلا مجال للمخاطرة في هذه الحالة، ومع أن الموضوع برمته لا يعني أبداً وجود المال من عدمه، وإنما بانطباع وصمة «المخدوع» على الجبين، فالتفليس المقصود هنا ليس بالخسارة المادية مطلقاً، بل بخسارة من حولك وإعلان «الإفلاس» التام من الأصدقاء والمقربين والأقارب أحياناً.
لذلك أتمنى لكم عيداً سعيداً مذخوراً وافراً، بعيداً عن «قانون التسليف والتفليس».
eman.alhashimi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .