مزاح.. ورماح

خِوار

أحمد حسن الزعبي

خلع الرجل جزمته وأسند ظهره إلى الجدار ليرتاح قليلاً، بعد أن أنهى آخر مهامه اليومية، وقام بوضع الوجبة الأخيرة أمام بقراته، وتفقد النوافذ ومشارب الماء، وأغلق عليها باب المزرعة بإحكام.

وأثناء إحصاء غلة ذلك النهار من بيع الحليب وبعض المشتقات الأخرى، من خلال معرضه الملاصق للمزرعة، قال له أحد المساعدين: أرى يا سيدي، أنه بات من الضروري تطوير عمل المزرعة.

توقف الرجل عن عدّ النقود وسأله باستغراب ورغبة: كيف؟

قال المساعد: أن نستحدث أقساماً جديدة للمزرعة، قسماً للإنتاج، وقسماً للتصدير، وقسماً آخر للمبيعات، وقسماً رابعاً للجودة، وبالتأكيد قسماً خامساً للإدارة المالية، وأن نستبدل هذه الملابس التي نرتديها ببدلات رسمية، لنعطي انطباعاً أجمل عن المزرعة وصاحبها. سأله صاحب المزرعة: ومن أين الأموال لكل هذه التغييرات؟ أجاب نبيع نصف الأبقار يا سيدي، ونطور المزرعة، دعنا نختر الأبقار الأكبر عمراً، فهي لم تعد تنتج بما فيه الكفاية وتأكل أكثر مما تحلب. بالفعل أقدم صاحب المزرعة على بيع نصف أبقاره، واستغنى عن نصف عماله الفاعلين، مستبدلاً إياهم بموظفين إداريين أنيقين يشغلون الأقسام الجديدة، بالمقابل انخفض نصف الإنتاج، ولم يعد يكفي لتغطية المصروفات الجديدة، ما دعا مساعده إلى أن يشير عليه من جديد، بأن يبيع نصف الأبقار الآخر، ويشتري الحليب من السوق المحلية: (فعملياً لو أضيفت التكاليف من تغذية ومراقبة وعمالة ورواتب أقسام الإنتاج والتصدير والمبيعات والجودة والمالية، فحتماً الشراء الخارجي سيكون أوفر). اقتنع صاحب المزرعة بفكرة المساعد وباع أبقاره، وأبقى على أقسام مزرعته الجديدة،

ثم بدأ يدفع من (رأسماله المسال)، بعد أن باع أصول المزرعة، ليشتري الحليب من السوق المحلية فقط، ليقوم بتشغيل الأقسام الجديدة التي استحدثها. وبعد أقل من شهرين دفع آخر راتب يمكنه دفعه لأقسام الإنتاج والتصدير والجودة والمبيعات والمالية من ثمن «الأبقار»، حيث توقف الإنتاج والتصدير والجودة والمبيعات والمالية، بعد توقف خوار آخر بقرة، ولأنه لم يعد يستطيع استعادة أصوله، فقد ظل يستدين ليدفع رواتب للأقسام المستحدثة، وإيجار المزرعة التي لا تنتج سوى البرغش والفراش ونميمة الموظفين.

** عندما يتوسع ارتداء البدلات «الرسمية» على حساب «أفرولات» الإنتاج.. اعرف أنك بعت كل ما كنت تمتلك لتشتري بعضه.

فهذه هي الخصخصة على الطريقة العربية.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

 

تويتر