ذنوب متوسّطة..

على الرغم من كل ما يقال عن مجتمعاتنا العربية بأنها مجتمعات غير منظمة، لا تأبه بالعمل الجماعي، ولا تؤمن بالعمل التطوعي، حشرية، تعشق الفضول، أنانية.. على الرغم من كل ما يقال، إلا أن أهم ميزة بالمجتمعات العربية من وجهة نظري أنها «حنونة» ومتسامحة.

فقبل أيام قضت محكمة في بريطانيا على رجل في العقد الخامس من العمر بالسجن 20 أسبوعاً، بسبب محاولته شنق قطة جاره، حيث شوهد في وقت سابق وهو يحاول خنقها، بينما كانت القطة تموء بصوت مرتفع.. رجل شيبة (52 سنة) يسجن خمسة أشهر، فقط لمحاولته شنق قطة، زغم أن جريمته لم تنجح بالكامل، فقط مجرد محاولة.. يووووووووه لو أن هذا القانون يطبّق عليّ شخصياً، لأمضيت حياتي في الأشغال الشاقة، لأن أول تدريبات الرماية التي مارستها في حياتي كانت رماية الحجارة على قطط الحاويات، فصار تدريباً شبه يومي.. أن تأخذ حجراً صلباً، ثم تنتظر اللحظة المناسبة التي يبدأ القط «يشمشم» فيها بعض الأكياس، وما إن يضع رأسه في الحاوية أو «يدحشه» بأحد الأواني المكسورة حتى توجّه إليه ضربتك التاريخية، وعندما تصيبه يقفز فزعاً وألماً مترين إلى أعلى، ثم ينزل مكانه ويبدأ الركض، وبمجرد أن يركض تستطيع أن تحدد مكان الإصابة، فإذا بدأ «يعرج» تكون قد أصبته في إحدى الأرجل، وإذا بدأ يركض ويصطدم بالجدران والأبواب والسيارات المتوقفة، فأكيد الضربة في إحدى عينيه، لأنه فقد الرؤية والتركيز.

حقيقة ــ وللأسف ــ فقد تربّى جيل كامل على اضطهاد القطط، كما تخرّجت أجيال كاملة من هذه الحيوانات تحمل عاهات مستدامة، عيون مفقوءة، أرجل مقطوعة، ظهور مصلية، فراء مغطوطة بزيت السيارات، كما أن القادم إلى الحارة للمرة الأولى كان يعتقد أن القطط التي في حيّنا هي غزلان «الرنّة» من الحجم الصغير، وذلك لأن كل القطط من دون ذيول، أو تحمل بعض بقايا الذيول القصيرة التي تتحرك بسرعة أثناء الهرب أو الخوف.

كل يوم أحمد الله على أن جمعية الرفق بالحيوان لم يكن لها أي فرع في بلدي، وأن أحداً من جيراني غير معني بالشكوى ضدّي، على العكس، فكلهم شركائي في الجرائم ضد البيئة، لكنني في الوقت نفسه أشعر بالذنب تجاه هذه الحيوانات الأليفة التي أسأت إليها رغماً عني.. فأستغفر الله وأتصدّق بما يقدرني عليه علّه يغفر لي خطاياي..

**

المشكلة أن المسألة لم تعد مرتبطة بالتوبة بقدر ما هي مرتبطة بالعقل الباطن، يعني للأمانة وبكل صدق لاأزال كلما شاهدت قطّاً انحنيت لا إرادياً على الأرض، وتناولت حجراً وضربته، ثم أخرجت مسبحتي واستغفرت الله.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

 

الأكثر مشاركة