تطوير التعليم
التعليم أساس بناء الأمم والحضارات، وأساس تنمية الإنسان وجعله إيجابياً لنفسه وأمته ومجتمعه، فما ارتقت أمم ولا تطورت وازدهرت إلا بالعلم، وما تخلفت إلا بفقده، وقد فطر الله تعالى الإنسان على قابلية العلم وجعله سبب تشريفه وتكريمه، وأناط بالعلم فتح خزائن الأرض وطبقات الجو وصلاح الإنسان.
هذه حقائق لا تحتاج لذكر شواهد، والدول تعرف ذلك، ولكنها تخفق كثيراً في السعي إليه وتوفيره للشعوب، وسبب ذلك غياب الاستراتيجيات للتعليم ومخرجاته.
إذا أريد تطوير التعليم، فلابد إذاً من التركيز على التخصصات العلمية من المرحلة الإعدادية، فمن توسمنا فيه القدرات الطبية وجهناه للطب، ومن توسمنا فيه القدرات العسكرية وجهناه لذلك. |
وقد وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بالأمس «هشتاق» للتواصل مع الجمهور حول مرئياتهم في تطوير التعليم والصحة، وبديهي أن المرئيات ستتعدد بتعدد المشاركين، وقليل من يصل إلى لغز التطوير المنشود. والذي لا يمتري فيه المتخصصون أن تطويره يبدأ من المرحلة التأسيسية، بأن تكون هذه المرحلة مرحلة تكوين الأسس التربوية والثقافية والانتماء الوطني، بحيث يُلِمُّ الطالب في هذه المرحلة الكبيرة في قياس عمر الإنسان بأسس دينه، عقيدة وفقها وسيرة، ليبدأ بعدها بمرحلة التخصص الذي تحتاجه الأمة وفق برامجها وخططها المستقبلية الخمسية والعشرية والعمرية، فليس من الحكمة بتاتاً أن يظل الطالب اثنتي عشرة سنة يدرس من غير تخصص يتمكن فيه من المهارة التي تحقق له ولمجتمعه النفع العام.
نحن أمة التخصصات الدقيقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو القائد التربوي الأول، لأنه بعث معلماً، كان يبين ذلك فيقول: «أفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأقرؤكم لكتاب الله تعالى أُبيٌّ»، إلى غير ذلك، وظل العالم الإسلامي على ذلك الحال من تخصصات العلوم المختلفة، فنبغ في كل فن رجال عرفوا به وطوروه، نظرياً كان أو تطبيقياً، شرعياً أو أدبياً، إنسانياً أو جيولوجياً، فيزيائياً أو فلكياً، حتى أتى عصر النهضة العلمية فضاع العلم بضياع الاهتمام بالمواهب والتخصصات، فثبت الجهل مع انتشار ثقافة القراءة والكتابة، وكأن القصد الأسمى من التعليم هو محو الأمية فقط، وهو ما تصرح به بعض المؤسسات والدول.
فإذا أريد تطوير التعليم، فلابد إذا من التركيز على التخصصات العلمية من المرحلة الإعدادية، فمن توسمنا فيه القدرات الطبية وجهناه للطب، ومن توسمنا فيه القدرات العسكرية وجهناه لذلك، ومن توسمنا فيه القدرات الشرعية أو الأدبية وجهناه لها، وهكذا كل علم يختار له من يتوقع منه الإفادة منه، لا أن يظل يكدح 12 سنة ليتخصص بعدها، وقد طرَّ شاربه، وأصبحت نوازعه النفسية تحمله على مقتضيات مرحلته العمرية، فإن هذا قلَّما ما يأتي بخير في ذلك التخصص الذي قد يساق إليه من غير رغبة.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .