«طموح...!»
ما هي أول وظيفة حلمتَ بأن تعمل بها؟!
في عيني الطفل يكون الجميع متساوين.. ويرى الطفل بقلبه لا بعينيه.. ولا بأعينهن!.. ويبحث عما يسليه لا عما يرضي غرور والديه وعشيرته!.. كنت أقف على ناصية «شارع الخان» حافياً وسعيداً! أنظر إلى ذلك العامل مفتول العضلات بزيه البرتقالي المميز.. وهو يحمل شعار البلدية بفخر على صدره.. ويتعلق بسيارة نقل القمامة البرتقالية من الخلف.. كان يبتسم!.. كنت أتساءل كثيراً عن السبب الذي يدفع الكبار لأن يملؤوا الدنيا ضجيجاً وصراخاً، حينما يروننا نتعلق بـ«بيك آب» سوق الخضرة، بينما يتعلق عاملان اثنان بهذه السيارة الضخمة، من دون أن يبدي أحد أي انتقاد أو «حشرة» لما يقومان به.. عندها قررت أن هذه ستكون وظيفتي حينما أكبر.. سأرتدي هذا «الأوفر- أول» الجميل.. وسأتعلق بهذه السيارة الكبيرة الجميلة.. وسأطوف بها جميع أنحاء الشارقة.. سأذهب إلى بيت خالي في القادسية.. سأمر على شارع الملك فيصل.. سأزور خيمة «إكسبو» الشهيرة جواره.. سأذهب إلى المنتزه.. كان طموحي لا يعرف الحدود...!
كبرت قليلاً وتعلمت الحروف، انتبهت إلى وجود آثار جانبية لتلك الوظيفة! من شدة تهديدات المدرسة بأن الذي لا يفلح هنا سيكون مصيره السيارة البرتقالية.. تغير الطموح كنت أراقب ذلك «الشب» القادم حديثاً للمنطقة، وهو يقوم بتقطيع سيخ الشاورما.. والطريقة الاحترافية التي يضيف بها «الطحينية».. وجدت نفسي مرة أخرى!.. تراي سأحصل على فرصة كهذه يوماً ما؟!.. هل سأكون «ملك السيخ» ذات يوم؟! هل يمكنني تناول أي عدد من الشاورمات في أي وقت، من دون أن تجبرني أمي على ترتيب سريري قبل ذلك؟ هل سيكون صحن «البطاطا» الموجود أمامي ملكاً لي وحدي، من دون مزاحمة سبع أيادٍ ترى في «البطاطا» ثماراً من الجنة؟!
كبرت مرة أخرى، وكان أقصى طموحي أن يطبع «بزنزكارد» باسمي.. ثم كبرت ثانية وحلمت بمكتب مستقل وخط هاتف مباشر!.. ودار الزمن ولايزال، وحلمت بأن تكون لي سكرتيرة وشركة تحمل اسمي، وبقيت الأيام تسرقني، وأنا أبحث عن أن «أكبر».. طموح يتلوه طموح.. رئيس قسم.. مدير.. مدير تنفيذي.. أن أصل إلى وظيفة أستطيع بها الاتصال بـ«المسؤول» مباشرة دون وسيط!.. أسطول من السيارات البرتقالية تحت أمرك، ولكن لايزال حلم التعلق بها من الخلف نقصاً يصعب تحقيقه!!
نصل إلى النهاية سريعاً.. وتنتهي اللعبة قريباً من دون أن يسأل أحدنا نفسه: هل أنت متأكد فعلاً أنك أكثر سعادة من المتعلق بالسيارة؟ هل «صاحب السيخ» أسعد منك أم تراه يتمنى مكانك!
نصل إلى النهاية وقد حققنا كل شيء.. وغنينا كل شيء وقلنا كل شيء.. ونسينا أن نقول كلمة واحدة، نسينا أن نقول: «الحمد لله»!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .