5 دقائق
الرحمة والمواساة
مات الزعيم الإفريقي «نيلسون مانديلا»، الذي ناضل كثيراً من أجل حرية شعبه وأمته، وتوّج نضاله بنصر مؤزر، فحقق الحرية لشعبه، وأصبح محل إعجاب الأمم بصبره وتضحيته ونزاهته وعدالته وزهده عن الرئاسة بعد توليها، ومضرب المثل في النضال من أجل الحرية والاستقرار.
وها هو يموت ويترك الدنيا، وله كل هذا الثناء والتقدير من العالم أجمع، وهكذا يكون من أحسن في الدنيا.
أما الآخرة فهي مما استأثر الله تعالى بحكمها بين عباده، فيجازيهم فيها على قدر معرفتهم به، وعبادتهم له، فمن عرفه بالإيمان وشهد له بالإسلام، وآمن بشرعه الذي شرعه للأنام، فهو الذي يختصه برحمته في جنة عرضها السموات والأرض، وإن كان إماماً عادلاً كان من السبعة الذين يظلهم الله تحت عرشه.
يواسى الكافر بقريبه الميت، لأنها من باب القسط بين الناس الذي أمرنا به مع غير المسلمين. |
ومن تنكر لذلك بأن لم يقل يوماً: آمنت بالله رب العالمين، ولم يخر ساجداً لجبروته، فإن له جزاءً آخر أعده له ولأمثاله، كما نطقت بذلك آيات الذكر الحكيم، وهو سبحانه أصدق القائلين، ولا اعتراض على حكمه بين عباده، فهو حكم عدل، حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرماً، فإذا أخبر بأن {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، فلا يقال: إنه كان عادلاً أو زاهداً أو ناصحاً، فهذه مقاييس الدنيا، وقد أخذ الحظ الوافر منها، وللآخرة مقاييس أخرى هي الإيمان والإسلام، وقد ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم، عبدالله بن جدعان، أنه كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال «لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»، ولما جيء بابنة حاتم الطائي أسيرة، وقالت: إن أبي كان يحمي الذِّمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولا يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيء، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق».
هذا هو معيار الترحم على الميت في شريعة الإسلام.
أما المواساة فبابها واسع، فيواسى الكافر بقريبه الميت، لأنها من باب القسط بين الناس الذي أمرنا به مع غير المسلمين، ومن باب القول الحسن، ومن باب المعروف بين الناس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يواسي المنافقين واليهود بموتاهم، وهو أسوتنا.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .