طفل الرستن

تقول النشرة الجوية إن منخفضاً قطبياً في طريقه إلى المنطقة، يحمل «فيتو» الصحو، وفي نيته أن يغطّي الشجر بسُكّر السماء الثقيل، ليحلّي الأرصفة والأماكن التي أوجعتها مرارة الأحداث.

تغلق النوافذ والستائر، تحكم الأبواب، وتشغل كل وسائل التدفئة، يحرص الآباء على ألا يتجاوز أولادهم حدود السجاد أو أن تلمس أصابع أقدامهم آخر رقعة من الأسمنت.. يطيّبون البيت رضا وطمأنينة، ويرعون الطفولة كاملة «الدسم». هناك على بعد بعض الكيلومترات حيث البارود والنار، حيث الليل ليل حقيقي، والشتاء لا يفرق بين معارضة ونظام، بين خيمة الأرامل وكارفان «الأيتام».. تصفق الريح في خيام اللجوء، يتسرب المطر من شقوق الخيبة، يتسلل الصقيع الصحراوي مع تواطؤ الماء ولزوجة الطين، لكن في البيت ثمة شمعة تبرق ضوءاً خافتاً على الوجوه الحزينة، ترسم ظلالاً على قماش الخيمة المجعّدة الرزينة، ترقص الشعلة كلما اشتدت الريح وهزّت حبال الأوتاد، في زاوية الاضطهاد أغطية قصيرة تشبه القرارات الأممية، إن غطيت رأسك بانت رجلاك، وإن غطيت بها رجليك بان رأسك.

تقول النشرة الجوية إن منخفضاً قطبياً في طريقه إلى المنطقة، يحمل «فيتو» السلم، وفي نيته أن يغطّي رموش الطفولة ببساطير العسكر، فيه تشريد، وموت، ولجوء وأكثر.

تشعل المواقد، تفرش الموائد، وعلى وقع تحميص الكستناء، تظهر على شاشة «البلازما» صورة طفل الرستن، مات متجمّداً بفعل الحصار.. لا كاز، لا غاز، لا مازوت، فمات طفل الرستن.. نفدت الإنسانية من سراج الروح، اهتزّت فتيلة عمره القصير ثم انطفأت.. فمات طفل الرستن.. مات بكامل قيافته.. بنطال أسود صغير، بلوزة حمراء عليها صور غزلان، وأحلام كثيرة لا يذكرها.. حملته أخته في كرتونة مربّعة حتى تقودها بوصلة حزنها إلى من يقوم بإجراءات الدفن..

المشهد موجع بمجمله.. فضلاً عن أنه طفل رضيع بوجنتين ناعمتين مكتنزتين مثل براعم الزنبق، إلا أنه لم يسترح في موته أيضاً، فجثته على الرغم من صغرها فإن «الكرتونة» أيضاً كانت ضيّقة على جسده المتجمّد، بل وضيقة جداً.. فثنيت رجلاه لتتسع له، وثني الوطن ليضيق به.

يا لهذا الصبي الذي ولد من رحم ضيق إلى وطنٍ أضيق.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة