مزاح.. ورماح
هجرناها.. فهجرتنا
بعث إليَّ أحد الشباب العرب المتحمّسين تذكيراً بأسبوع اللغة العربية العالمي، الذي يُحتفل به في 18 ديسمبر من كل عام.. فكتب لي بالرسالة: «أستاذ كل ما نطلبه منك أن تضع هاشتاق # خلف كل (بوست) تكتبه وتلحقه بكلمة (عربية) طبعاً سواء أكان ذلك بالـ(فيس بوك) أو بالـ(تويتر).. بالمناسبة إذا كان (بروفايلك) بالإنجليزي، يا ريت تحوله للعربي عشان ننتصر للغتنا الحبيبة.. أنا من أكبر الـ(fan) لألك».. قمت بإحصاء عدد الكلمات غير العربية، التي كتبها في هذه الفقرة، فوجدتها ستّ كلمات إنجليزية، وكلمة فرنسية واحدة، في دعوة خاصة، يطالبني فيها بالانتصار للغة العربية!!.. لأكتشف ـــ من خلال هذه الرسالة القصيرة ـــ مدى الخطورة التي باتت تمسّ حيوية وبقاء هذه اللغة العظيمة، التي خاطب الله تعالى بها العالمين في مواجهة اللغات الأخرى.
لِمَ كل هذا التراجع؟ ببساطة لأننا هجرناها فهجرتنا.. لم نعد أمة عظيمة، لا بانتصاراتنا ولا باقتصادنا، ولا باختراعاتنا، ولا بأدبنا، ولا حتى بشيمنا.. لم نعد نفرض على العالم وجودنا حتى نفرض لغتنا، فخجلت اللغة منا، وتضاءلت حتى من ألسنتنا!
تعالوا نحصِ المفردات اليومية، التي نستخدمها.. دون أن نشعر: «موبايل».. «مسج».. «واتس آب».. «تشاتنج».. «جلاس».. «ريفرس».. «ستيرنج».. «ستيبلر».. «كردت كارد».. «كاش».. «كافيه».. «sorry»، «تركش كفي».. «كولر»..إلخ، لنجد أن كل شيء يتعلق بالاختراعات لم ينل منا تسمية عربية، لأنه لم ينل شهادة ميلاد عربية اصلاً! فكيف لشخص أن يملك الحق في تسمية مولود لم ينجبه من صلبه؟!
المشكلة لم تعد مشكلة هوية ثقافية أو وجودية وحسب، حتى تجارياً أصبح الاسم الأجنبي عنواناً للتميز والتفوّق، وذلك ليستقطب الطبقة المخملية، بينما الاسم العربي للمحل التجاري، أو المنتج المحلي، يعتبر اسماً شعبياً، يجب أن تلازمه الرداءة والرخص.. المطاعم الكبرى والمقاهي الحديثة ومحال الملابس صارت تتعمّد الاسم الغربي (الإنجليزي) تحديداً، لتجذب الزوار من عنوانها.. سيدات المجتمع وشبابه اليافع، صاروا إذا أرادوا أن يعبّروا عن رقيّهم أكثر، استخدموا المصطلح الإنجليزي في المحادثة، مع «طعج اللسان» قليلاً، ليثبتوا إتقانهم اللهجة على أصولها..
صحيح أننا لا نستطيع أن نسمي «الفاكس» بـ«الورّاق البرّاق».. ولا الـ«فيس بوك» بـ«كتاب الوجه».. ولا الـ«واتس آب» بـ«المحادثة الكتابية من خلال الهاتف».. ولا نستطيع أن نصف لمصلّح السيارات أن «وعاء تبريد الماء الأسطواني فيه تسريب»، بينما نستطيع أن نختصر ذلك بكلمة «روديتر».. لكننا نقدر أن نستبدل كلمة «كافيه» بقهوة.. و«كولر» ببرّاد الماء.. و«استبلر» بالمكبس أو الدبّاسة، و«sorry» بكلمة آسف، وغيرها الكثير...
أمنا اللغة العظيمة سامحينا، فلو كنا أحياءً لحييتِ!!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .