مبخرة الشرق!
يقول المثل العربي: «ما ضاع حقّ وراءه مطالب».. من دون أن يحدّد الأوّلون الحد الأدنى لقيمة «الحق»، ومن دون أن يضعوا شروطاً ومواصفات يجب توافرها في المُطالب.
ما علينا!!.. قبل ثلاثة عقود ونصف العقد، تحديداً في عام 1979، فُقدت مبخرة صينية قديمة من متحف فوج في كمبردج الولايات المتحدة، وعلى ما يبدو أن المبخرة لم تكن باهظة الثمن، ولا ضاربة كثيراً في القدم، لكنها تبقى قطعة مملوكة لإدارة المتحف، ومسجّلة في سجلاته، والاعتداء عليها يعتبر اعتداءً على الدولة ككل، لذا لم يغلقوا ملف القطعة المسروقة، ولم يعتبروها «تالفة»، ليتغاضوا عن تقصيرهم، بل بقيت محاولات البحث مستمرة من قبل إدارة المتحف، وبالتعاون مع كلية أخرى تهتم بالقطع الأثرية طيلة هذه السنوات، فكلما سمعوا عن مبخرة، أو إبريق زيت تم عرضه في محل «أنتيكات»، أو بازار خيري أو مزاد علني، أو سمعوا عن عجوز تبيع خردواتها في «سوق الأحد»، إلا أرسلوا خبراءهم ليتأكدوا إن كانت هي التحفة المقصودة أم لا.
أخيراً ظهرت المبخرة من جديد، عندما قام مواطن من هونغ كونغ بتسليمها إلى دار مزادات، بعد أن «ملّ» من امتلاكها على ما يبدو، من دون أن يقدّم أية وثائق تثبت ملكيتها، ومن دون أن نعرف كيف وصلت إليه، أو طريقة حصوله عليها.. وعندما بحث القائمون على المزاد في قاعدة بيانات القطع الأثرية المفقودة في المتاحف العالمية، عرفوا أن القطعة البالغ طولها 15 سم، كانت قد فقدت من مجموعة هارفارد قبل 35 عاماً، فتقدمت الجامعة بطلب إلى وزارة العدل الأميركية، التي وافقت بدورها على إعادة القطعة إلى المتحف التابع للجامعة.
من أجل مبخرة طولها 15 سم (قلبوا الدنيا)، وفلسطين «مبخرة» الشرق، التي عمرها أكثر من 12 ألف عام، ومساحتها أكبر من 27 ألف كيلومتر.. لا أحد يطالب باستعادتها، أو نفض الحزن عن جفنيها، رغم أنها مسجاة أمامنا على مرمى بحر.
الكل يهرول وراء حقيبة «كيري» هذه الأيام، ليحظى بعمولة ما بعد التغاضي، حتى لو كان حبر التنازل ممزوجاً بدم عمره 66 عاماً.
فعلاً.. «ما ضاع حق وراءه مطالب»، إلا إذا كان المطالب عربياً!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.