أقم الصلاة
الصلاة قرّة عيون المؤمنين، وسلوة العباد الصالحين؛ ومعراج عباد الله المصطفين؛ لما فيها من شرف الوقوف بين يدي رب العالمين، فبها تسلو النفوس، وتنشرح الصدور، وتنجلي الهموم، وبها يترقى المرء في مقامات العبودية بين درجات {إياك نعبد وإياك نستعين}، وبين الركوع خضوعاً لله رب العالمين، والسجود تقرباً للمولى الرحمن الرحيم، يتلذذ العبد بمناجاة ربه، ويخشع له بلسانه وقلبه وجوارحه، ويتزلف إليه بما يحبه من الزلفى في الخضوع والتواضع، فما من مقام يناله المؤمن أشرف من هذا المقام العظيم، ولمحبة الله تعالى لعبده شرفه بهذا المقام {فاسجد واقترب}.
«إن الوقوف بين يدي علام الغيوب يقتضي حضور القلب الذي هو محل نظر الله تعالى، وحضور القلب يقتضي صدق العبودية والإخلاص لرب البرية». |
فلابد للعبد المؤمن أن يعرف ماذا أراد الله منه في هذا المقام! هل أراد منه هذه الهيئة الحركية الظاهرية أم أراد حقيقته الوجدانية؟
إن المتأمل لخطاب الله تعالى لعباده في هذا المقام لم يكن إلا بطلب الإقامة التي تعني أداءها، كما أمر الله بأركانها وسننها وآدابها وخشوعها، مِنْ أقام الشيء إذا أصلحه وأزال اعوجاجه، فهي أمر زائد على فعل الصلاة، فما كل مصلّ مقيم، وبهذه الإقامة يدرك معنى العبودية لرب البرية، وينال مقام الفلاح في الدنيا بلذة المناجاة، والآخرة بمقام المقربين، وبها يذهب الوسواس الخناس، ويتلذذ بمناجاة رب الناس، ولا مجال لذهابه إلا بالإقامة التي أمر الله تعالى بها، وعندها يكون من المفلحين المقبولين، فإنها أول ما ينظر من أعماله، فإن وجدت تامة قبلت وسائر أعماله، وإن وجدت ناقصة ردت وسائر أعماله.
وكل هذا يحتاج إلى مجاهدة النفس، لتعقل الصلاة وتعرف من تخاطب، وبين يدي من تقف.
إن الوقوف بين يدي علام الغيوب يقتضي حضور القلب الذي هو محل نظر الله تعالى، وحضور القلب يقتضي صدق العبودية والإخلاص لرب البرية، وعندئذ فلا تسأل عن فيوضات الجواد الكريم الذي يتعرف إلى عباده المقبلين عليه، فيفيض عليهم من أنوار معارفه فيعرفوه بها، وهي المعرفة التي خلق الله تعالى الكون من أجلها {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً}، ولا تأتي المعرفة لقلب غافل لاهٍ، لا يدري ما الله منه مريد ولا ما به صانع.
لقد كان سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، وهو من الله قريب يزداد قرباً في الصلاة، فيعبر عن لذة مناجاته لمولاه فيها بقوله «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، إنها الصلاة التي فرضت عليه يوم المعراج، فبها يعرج المؤمنون، فهي صلتهم بمولاهم، ألا فما ألذ الوقوف بين يدي ملك الملوك؛ إنه الشرف المتناهي والعزة الكاملة «رب اجعلني مقيم الصلاة».
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.