مكارم الأخلاق
صحّ في الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والمعنى: أن النبيين، عليهم الصلاة والتسليم، بعثوا لمهمة واحدة، هي تعليم الناس الأخلاق الكريمة، فكلٌّ جاء يعلم أمته جملة من الأخلاق الكريمة التي فقدت فيهم، فكان بناء الأخلاق يتكامل شيئاً فشيئاً، حتى جاء الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فأكمل بنيانها بتمام المكارم التي بعث بها، وقد كان هو، عليه الصلاة والسلام، على خلق عظيم، فناسب أن يكون متمماً لبنائها.
«الصبر، الذي هو تحمّل الأذى من الغير، أو على النفس، أو على الأقدار، من أُسُس الإيمان». |
وقد غرس في أمته هذه المكارم حتى غدت أمَّةَ الأخلاق، فهي الأُمَّة التي ترى الأخلاق الكريمة ديناً ومنهجاً وشريعة، فتخلَّقت بالمكارم مع المولى سبحانه، فلم تكفره ولم تجحد نعمته، بل آمنت به رباً منعماً متفضلاً، وشكرته على آلائه وكريم نواله، وصدقت برسوله الذي بلّغ عنه رسالاته، المؤيد بمعجزاته، واتبعت النور الذي جاء به، ووفَت له محبةً وتعظيماً ومتابعة وتعلُّقاً وثناءً، واستقت منه المكارم الخُلقية، التي نشأ عليها يتيماً، وشاباً فتِياًّ، وكهلاً مرضياً، والتي استقاها من القرآن، فكانت أمةَ الحياء، وأمة الوفاء، وأمة الإخاء، وأمة المحبة، وأمة الصدق، وأمة الكرم، وأمة الإيثار، وأمة الصبر، وأمة الحلم، وأمة الرحمة، وأمة الشجاعة، وأمة التضحية.. وما من خلقٍ كريم إلا وهي تدين لله تعالى به، ترجو من الله ثوابه، وتخشى عند التقصير فيه عقابه.
فالكرم الذي هو جِبِلَّة نفسية تحمل المرء على أن يجود بالقليل والكثير على من ينتفع به، قرين الإيمان «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، والحياء، الذي هو صفة نفسانية يمنع الإنسان من فعل ما يعاب عليه، شعبة من الإيمان، والصبر، الذي هو تحمل الأذى من الغير، أو على النفس، أو على الأقدار، من أُسُس الإيمان، كما قال علي، كرم الله وجهه «والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له»، والحلم الذي هو تحمل الأذى وكظم الغيظ، يحبه الله ورسوله، وهو سيد الأخلاق، والصدق مع الله تعالى في العبودية، ومع الناس في المعاملة، ومع النفس بتعريفها حقيقتها وعدم تغريرها، أساس الإيمان.
وهكذا يكون الإسلام الحق الذي ندين به، فكله مكارم، وما هي من الأخلاق العربية ببعيد «لقد جاء الإسلام وفي العرب بضع وستون خصلة كلها زادها الإسلام شدة، منها قِرى الضيف، وحسن الجوار، والوفاء بالعهد»، كما قالت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.