مزاح.. ورماح
شاي بحليب
لم يكن يخطر ببالي أن أصبح كاتباً في يوم من الأيام، كل ما كنت أطمح إليه منذ المراهقة حتى منتصف العقد الثاني من عمري أن أصبح شاعراً متوسط الشهرة، أحيي أمسية شعرية في نادٍ للسيدات، جُلّ قصائدها من الغزل الجريء، أصطاد بالقصيدة الواحدة معجبة أو أكثر، لنبني قصة حبّ أو قصة «علك حكي» لا أكثر، ولم أكن مهتماً كم سيبلغ عمر قصة الحب التي ستكون، المهم أن تكون هناك أنثى في الموضوع.. أتألق لأجلها وأشرب القهوة السادة أمامها باتزان مفتعل، وأنظم لها بيتين من الشعر صدرهما مسروق وعجزهما مسلوق.
لذا طرقت كل أبواب المهن، بدءاً من المحاسبة إلى المبيعات إلى «سوبرفايزر»، إلى منقذ سباحة ــ رغم أني لا أجيد السباحة بدلو ماء ــ إلى الملاحة إلى التموين إلى كتابة الأغاني ومحاولة التلحين، ولم يبقَ إلا أن أتقدّم بوظيفة «مطهّر أولاد» أو «محنّاية»، ومع ذلك لم تفترق السخرية عني، وظلّت تلازمني كظلي، بل كانت أحياناً مثل «الجنّي» توشوشني أن أتجرأ وأكتب، وأعبث بكل المفارقات التي حولي. كنت أكتب على سرير بعض الخواطر وأحفظها في «كيس بلاستيك من سوبر ماركت اللولو». أكتب أضحك أرتاح وأخبئ.. إلى أن فكّرت أن أطرق باب الصحافة.. كانت تبهرني اللافتات الكبيرة المركّزة جيداً فوق مباني الصحف أثناء ذهابي وإيابي من العمل، تناولت أرقام التحرير، وبدأت بالاتصال؛ وما أن أعرّف عن نفسي، حتى تنتهي المحادثة بعد 12 ثانية، لم يقبل أي من مسؤولي التحرير آنذاك أن يستمعوا أو يقرأوا جملة واحدة من ما كتبت، أطول مكالمة مع جريدة يومية كانت 24 ثانية، عندما اتصلت على مقسم الجريدة طلبت التحرير.. حوّلني رجل المقسم، سمعت موسيقى جميلة، ثم ردّ عليّ أحدهم قائلاً: نعم.. قلت أنا شاب.. قاطعني «شاي بهليب الهين ييجي»، ثم أغلق السماعة.
عدت إلى الأردن، وإلى صحيفة الرأي العريقة، بزاوية يومية ساخرة وبسيرة ذاتية خالية تماماً من الخبرة الصحافية سوى «الشاي بحليب»، لتنمو القدرة على الكتابة كما تنمو أي عضلة بالتمرين المنتظم والتعرّق للحصول على الفكرة.
كل هذه المقدّمة الطويلة فقط لأقول لكم إن المحطة الصحافية الجميلة الأخرى بعد جريدة الرأي، هي جريدة الإمارات اليوم.. بهذا الصباح، تحديداً، أكون قد أمضيت عامين ويومين في صحيفة الإمارات اليوم، وبهذا الصباح، تحديداً، أكون قد أكملت المقال رقم 200 في الإمارات اليوم، حيث فتحت لي أبواباً من المزاح، وناولتني كثيراً من الرماح، هنا نمزج السياسة بالنكتة ونقفلها بالاجتماع.. نمزج الاجتماع بالاقتصاد ونقفلها بالسياسة.. نمزج السياسة بالسياسة ونقفلها بـسجن «أبوزعبل» إن شاء الله..
على كل، شكراً لأسرة التحرير أ.سامي الريامي، وأ.باسل الرفايعة، والزملاء الأحبة خلف «الكوابيس».. شكراً لكل من جمّعوا (رأسين بالحلال: رأس الكاتب ورأس القارئ) على وسادة الفكرة، وشكراً لكم أنتم أيها القراء الأحبة الذين تحمّلتم الضحك والأنين.. أثناء «مزاحنا وضرب رماحنا أنا والشويخ» كل هذه الأيام!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.