كل يوم
سياسة الهروب إلى الأمام
الخلاف الذي أدى إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر ليس خلافاً على المواقف السياسية في مصر، ولا هو محاولة فرض سياسة خارجية معينة من السعودية والإمارات على قطر، كما أنه لم يكن قراراً مفاجئاً لقطر، فمؤشراته كانت واضحة وجلية.
بيان مجلس الوزراء القطري رداً على سحب السفراء ركّز بشكل أساسي على أنه خلاف حول المواقف من مصر، وكان مفاجئاً لقطر.. هاتان النقطتان تحديداً هما أساس الرد القطري، مع جمل وكلمات كثيرة عاطفية من أجل الحشو وكسب التعاطف، واضح منها أنها محاولة للهروب إلى الأمام، للقفز على حقيقة وخلفيات مراحل عدة من الخلافات والجدل والسجال بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة ثانية، هذا السجال استمر فترة طويلة قبل اتخاذ قرار سحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة.
«ماذا عن تمويل جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، ودعمها بالمال؟ وماذا عن دعم الحوثيين في اليمن؟ هؤلاء الذين تخطط إيران لتحويلهم إلى منظومة شبيهة بـ(حزب الله) في لبنان». |
المسألة لا علاقة لها بالمواقف الخارجية، بل هي مشكلة داخلية تهدد أمن واستقرار دول المجلس، وهذا ليس من باب الاتهامات العشوائية من دون دليل، كما تروّج لذلك وسائل الإعلام القطرية، بل هناك كثير من الأدلة الواضحة، تم الإعلان عنها، وأدلة أخرى كثيرة لم يكشف عنها بَعْدُ، ولربما أوضح هذه الأدلة وأكثرها صدمة للمملكة العربية السعودية تحديداً، وبقية دول المجلس، تلك المكالمات الصوتية التي جرى تسريبها في أعقاب انهيار نظام القذافي في ليبيا، أشهرها مكالمتان يتحدث فيهما وزير الخارجية القطري السابق، فيكشف في الأولى عن مخططات قطر ضد النظام في السعودية، ووصف فيها المملكة بأنها دولة «هرمة»، ويؤكد في الثانية أن «السعودية لن تكون موجودة بعد 20 عاماً من الآن»، هذه التسجيلات لم تكن مفبركة، وليست من إنتاج أجهزة معادية لقطر، بل هي حقيقية، ولا أحد يعرف حجمها، ولربما هناك ما هو أسوأ من هاتين المكالمتين!
هاتان المكالمتان دليل واضح على سوء النيات القطرية تجاه دولة شقيقة، ولقد تمت مواجهة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بهذه التسجيلات، خلال اجتماع في الكويت ضم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ووزراء خارجية دول التعاون، فلم ينكرها، ولم يطعن في صدقيتها، بل كان رده أن تلك المحادثات كانت في عهد نظام سابق، وقطر يحكمها اليوم نظام مختلف وحكومة مختلفة!
لن نختلف على ظهور المكالمات في عهد نظام سابق، لكن ماذا عن أكاديمية التغيير ومواصلتها نشاطها في الدوحة، ذلك النشاط القائم على تدريب الشباب الخليجي على تغيير الأنظمة، وإحداث ما يعرف بالفوضى الخلاقة؟ وماذا عن تحويل الدوحة ملاذاً للمنظمات المعادية لدول المجلس؟ وماذا عن منظمة الكرامة المموّلة والمدعومة من قطر والمتخصصة في الإساءة إلى دولة الإمارات وتشويه سمعتها خارجياً؟ وماذا عن تمويل جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات ودعمها بالمال؟ وماذا عن دعم الحوثيين في اليمن؟ هؤلاء الذين تخطط إيران لتحويلهم إلى منظومة شبيهة بـ«حزب الله» في لبنان حتى يكونوا في خاصرة المملكة العربية السعودية، وماذا عن القرضاوي وتحريضه وإساءاته المتكررة؟ ورغم تأكيد أمير قطر الحالي لوزراء خارجية التعاون أنه تم تعنيفه ومنعه من الظهور في قناة قطر الرسمية، ليصدمهم في أقل من أسبوعين ويظهر القرضاوي مجدداً على القناة ذاتها ليقول إن المرض منعه من الخطبة، ويواصل التهديد والوعيد!
إنها ليست اختلافات حول مواقف خارجية، ولاحظوا أن ذكر اسم مصر غير موجود إطلاقاً في كل الأمور السابقة، كما أنه لم يكن موجوداً في «اتفاق الرياض» الذي وقعت عليه قطر، فالاتفاق كان محدداً في ثلاثة بنود تثير ريبة وقلق دول المجلس من قطر، هي: التوقف عن استضافة وتجنيس ودعم المعارضين الخليجيين، والتوقف عن دعم «الإخوان المسلمين»، وعدم دعم الجماعات التي تؤثر في أمن دول المجلس في اليمن، هذه البنود التي لم تلتزم بها قطر، وهي جوهر الخلاف، وما عدا ذلك فهو تضليل للرأي العام، أما قول الحكومة القطرية إنها فوجئت بقرار سحب السفراء فهو تضليل آخر، سأتطرق إليه غداً.
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.