كل يوم

قرار «صادم».. وليس مفاجئاً!

سامي الريامي

قرار سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، لم يكن مفاجئاً لقطر، كما جاء في بيان مجلس الوزراء القطري، بقدر ما كان صادماً لها، فالرهان هناك كان معقوداً على استمرار الصمت الخليجي، والسعودي خصوصاً، واستمرار اتباع سياسة ترك الأمور تحت الطاولة، كما هي عادة دول المجلس في ظل حرصها على التضامن، وحل الخلافات بهدوء يضمن استمرارية مسيرة التعاون، ولا يؤثر في العلاقات بين الدول الأعضاء.

لكن هذا ما لم يحدث، لأن الصمت لم يولّد إلا التمادي، والحرص على وحدة وسلامة المجلس قوبل بعدم حرص على أمن واستقرار دوله، من عضو في المنظومة الخليجية ذاتها، أعطي الكثير من الفرص، لكنه فضل المضي في طريقه المختلف، لذلك من الغريب جداً أن تعتبر قطر قرار سحب السفراء مفاجئاً!

في الدبلوماسية هناك إشارات واضحة للصداقة والمحبة، كما توجد إشارات أوضح للاستياء أو الغضب، ودولة مثل قطر تمارس السياسة الخارجية بمبلغ يقدر بأربعة مليارات دولار سنوياً، لا ينقصها الدهاء السياسي لمعرفة إشارات عتب وزعل الأشقاء، ثم تطور العتب إلى الاستياء والغضب!

«لابد للصبر أن ينفد يوماً، خصوصاً مع زيادة المماطلات، والتجاوزات، والشعور بعدم وجود رغبة قطرية حقيقية في إعادة الدفء والهدوء إلى العائلة الخليجية».

الخلافات كانت معروفة، وقطر تدركها تماماً، حتى إن لم تظهر على السطح إلا مع قرار سحب السفراء، لكن قبل ذلك كان الجدل حاضراً، والمماطلة شاهدة، وتمييع القضايا وإطالة الوقت، ومحاولة التهرّب، سمات واضحة في معظم مراحل الخلاف، منذ توقيع قطر على «اتفاق الرياض»، ثم تعمد عدم الالتزام به، ما استدعى إيصال رسائل الاستياء والغضب من السعودية والإمارات والبحرين.

الرسائل كانت واضحة وجلية، ومفهومة من جميع الأطراف، بل ومباشرة وقوية، بدأت عبر تجاهل زيارة الدوحة من قبل وزراء خارجية مرموقين أمثال الأمير سعود الفيصل، ورفض استقبال أمير قطر من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ثم استدعاء السفير القطري في أبوظبي، وإبلاغه احتجاج الإمارات على التصريحات العدوانية للقرضاوي على منبر رسمي، فلا أوضح من ذلك، وهذه الإشارات وغيرها، ينبغي ألا تجعل قرار سحب السفراء مفاجئاً لقطر!

تُرى ماذا كانت تتوقع قطر من دول المجلس، بعد أن تم الاتفاق على إيجاد آلية لتنفيذ «اتفاق الرياض»؟ وتم تعديل صيغة هذه الآلية بناء على طلب من وزير الخارجية القطري، بعد أن أبدى اعتراضه عليها، ولتفويت الفرصة عليه من جهة، ورغبة منها في إنهاء هذا الفصل المزعج من ناحية أخرى، وافقت بقية الدول على التعديلات المقترحة منه، ليخرج من الاجتماع الوزاري طالباً مشاورة عاصمته، ويعود بعدها رافضاً التوقيع على صيغة آلية التنفيذ التي اقترحها هو، فأي استخفاف هذا؟!

لابد للصبر أن ينفد يوماً، خصوصاً مع زيادة المماطلات، والتجاوزات، وشعور الجميع بعدم وجود رغبة قطرية حقيقية في إعادة الدفء والهدوء إلى العائلة الخليجية، واستمرارها في سياساتها الغامضة والمزعجة للآخرين، بل يبدو أن التصعيد هو السمة البارزة في السياسة القطرية المضطربة تجاه الأزمة، فالخطاب الإعلامي عالي النبرة، وبطريقة لا تليق بالأخوة والجيرة، والخطاب السياسي مستمر في المغالطات، وتزييف حقيقة الخلافات التي أدت إلى سحب السفراء، وآلية تنفيذ اتفاق الرياض ستصبح لاغية في حال عدم التوقيع عليها، ما يعني وجود فصول إضافية مستقبلية، لن تجعل قرار سحب السفراء هو الفصل الأخير في هذه الأزمة.

الإمارات سحبت سفيرها من الدوحة، ولم تفعل ذلك مع طهران، هذا صحيح، لأن الإساءة من الشقيق وقعها أكثر إيلاماً، ولأن إيران ليست عضواً معنا في منظومة واحدة أساسها التعاون والتعاضد، ولأننا لدينا مشكلة واضحة مع إيران نعالجها بالطرق الدبلوماسية الواضحة، في حين أنه لا مشكلة واضحة مع قطر، وليس لدينا أو لديها سبب منطقي يجعلها تعمد إلى العبث بأمن الدولة واستقرارها، والتدخل بشكل سلبي مسيء لدعم من لا يريد لنا الخير، أليس ذلك مؤلماً حقاً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر