5 دقائق

زهرة الأم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الأم التي حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً، وحضنت تعباً ومشقة، وتطور حالها معك من وَهْنٍ إلى وهْن، التي يسرها رؤيتك ولداً مُدللاً، وشاباً قوياً، وكهلاً مرضياً، التي ترى المتعة في سعادتك، والأنس في فرحك، وتجد الحزن كله في مساءاتك.

هذه الأم التي أنت جزء من أحشائها، وبِنيتك القوية مكونة من عصارة دمها، وأنت جنين في فسيح بطنها الضيق، وحضنها الدافئ، هذه الأم التي لم تذق غمض النوم شطراً من أيام وهنها لتنغيصك لها بالبكاء وهي تحاول تعليلك بثديها وحضنها وكلتا يديها..

«نعم، الأم تحتاج لزهرة ود، وزهرة كرم، وزهرة حنان، وزهرة ذل، وزهرة إحسان، فإذا أعطيتها هذه الباقة من الزهور ستعيش في سعادة في سائر الدهور».

ماذا تريد هذه الأم منك اليوم وقد أصبحت ذا شأن في حياتك، لك الحركة الحرة، والاستقلال الذاتي، ولربما أصبحت ذا ولد مثلها، ومال يغنيك عن فتات مالها أو جليله؟ هل تريد منك زهرة توصلها إليها في يوم الأم لتعبر بها عن وفائك، وكامل برك وصادق تحنانك؟ نعم، تريد منك زهرة، ولكن الزهرة التي تريدها ليست هي زهرة الورد، بل أنت زهرته إذ أنت فقير إليها، وغني عنها {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

أنت زهرتها يوم تجد منك طيب الكلام، وحسن الوئام، وفعل الكرام.

أنت زهرتها يوم تكون لها سنداً عند الكبر؛ تأخذ بيدها لتلثمها بحنان، وتحني هامتك لتقبل رأسها باحترام.

أنت زهرتها يوم أن تأخذ بيدها لتوصلها إلى مرادها من الحاجات، وتقضي لها ما تشتهيه من الطيبات، وما يهمها من المشكلات.

أنت زهرتها في جميع الحالات، ولو لم تسق إليها زهرة ورد علَّها تذبل قبل أن تقوم من مقامها.

نعم، الأم تحتاج لزهرة ود، وزهرة كرم، وزهرة حنان، وزهرة ذل، وزهرة إحسان، فإذا أعطيتها هذه الباقة من الزهور ستعيش في سعادة في سائر الدهور؛ لأنها ستناجي ربها أن يسعدك كما أسعدتها، ويعطيك كما أعطيتها، ويحسن إليك كما أحسنت أليها.

على أن هذه الزهور المعنوية ليست شيئاً في مقابل ما بذلت وتعبت وفرحت، لكنه يرضيها منك هذا القليل، في زمن كثر فيه العقوق، وقل الوفي الصدوق، فهي لا تريد الكفاء بالوفاء، وإنما يرضيها ميسور نوالك، بشرط أن يكون ذلك من خاطرك وبالك، من غير قطع بعد وصل، ولا مِنة بعد عطاء.

نعم يرضيها القليل منك؛ لأنه كثير في عينها، فعينُ عين الرضا عن كل عيب كليلة، وهو مع ذلك عند الله كثير؛ لأن الأم قد رضيت به فكثَّره، ولأن الأم قد قبلت به فقبله، وكل ذلك يدعو إليه الإسلام قبل أن تدعو إليه المنظمات العالمية، والطوائف الإنسانية، إنه ديننا الذي نعتزُّ به ونفاخر بسبقه الأمم.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 


 

تويتر