فرشاة للموت

الزعيم الغربي.. مثل القفاز، مفصّل تماماً على مقاس وعدد سنوات السلطة.. فإذا خلعته وانتهت ولايته.. لن يجد عملاً، إلا على مقاس تهميشه وعدد سنين ما تبقى من عمره، لذا فإنه غالباً ما يلجأ إلى العمل التطوعي، أو التدريس الجامعي، أو مستشاراً في أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية، أو مبعوثاً أممياً ــ لإصلاح ذات البين ــ بين دول هو أشعلها إبان حكمه، وقوّض اقتصادها، وحاول النيل من وحدة أراضيها.. فالشيطان يحاول أحياناً أن يطير بجناحي ملاك، إذا ما أعطي دور بطولة في «فيلم» أكشن.

جورج دبليو بوش خالف كل من سبقوه من الزعماء المتقاعدين، فخلع ثوب الجزار وارتدى ثوب الحالم عندما قرر أن يمارس أكثر المهن نقاءً ورومانسية وشفافية وإنسانية.. من خلال الانتقال من «رسم» سياسات والعناية بـ«التقسيم».. إلى رسم الوجوه والعناية بـ«التقاسيم».

جورج دبليو بوش صاحب نظرية «من لم يكن معنا فهو ضدنا» قرر أن يصبح فناناً تشكيلياً فجأة، حيث كشف قبل يومين عن إبداعاته لقناة «nbc»، وقال منتشياً إنه قد رسم لوحات بنفسه لـ24 زعيماً عالمياً، مستخدماً نعومة الفرشاة ومسالمة الألوان، بعد أن أدمنت يداه على خشونة القذيفة ووحشية الدم.

في مرسمه المحشو بوجوه من حكموا العالم، سألته ابنته «جينا»، المراسلة التلفزيونية في القناة نفسها، عن ردة فعل القادة حول الرسومات، فقال الأب: «أتشوق لسماع الانطباعات التي تتركها الرسومات لديهم».

لقد اختصر سنوات حكمه الثماني ببعض وجوه القادة، هذا كل ما يتذكّره ربما، لم يخطر بباله أن يرسم مجلس الأمن الذي جامله وحاباه وانحنى له في حربه ضد الإرهاب، كما لم يخطر بباله أن يرسم ملامح «كولن باول» وهو يؤكد ضرورة تدمير «النووي العراقي».

يعتزل العالم في مرسمه كما لو أنه راهب أو قديس دون أن يؤنّبه ضمير، أو يصيح في شرايينه وجع الملايين ممن شرّدهم ويتّمهم ووقّع على صفحات أعمارهم المنتهية. تتشوّق لسماع انطباعات زعماء العالم حول ما خطّت يداك؟ ألا تتشوق لسماع انطباعات أهالي كابول.. وبكاء المواليد المدفونين تحت سقوف البيوت الترابية؟ ألا تتشوق لسماع صوت الــb52 ..الهدّارة، وصوت انفجارات الفوسفور الأبيض وتبعجات بطون المواليد الجدد في الرمادي؟ ألا تتشوّق لسماع صوت «عبير» تلك الصبية العراقية التي اغتصبها أحد جنودك أمام عائلتها ثم حرقها وحرق أسرتها، وأغلق البيت وغادر إلى محل وجبات سريعة؟ ألا تتشوّق لسماع صوت السوط على جلود سجناء أبوغريب العراة؟ فكّر فيهم جيداً يا سيدي.. ستكون لوحة «سيريالية» رائعة مرسومة بالدم والعار.. ألا تفكّر في سماع أنين دجلة وهي تتألم تحت جنازير دباباتك الفولاذية؟ أخيراً ألا تفكّر في سماع صوت أبي جعفر المنصور الذي أضحى تمثاله مكاناً ملائماً لتغيير زيت الآليات العسكرية وتبوّل الجنود المناوبين؟

الفرشاة التي بين يديك.. صُنعت لتخلّد الحياة في برواز الأمل.. لا لتخلّد الموت في برواز الألم.

أرجوك ارمها وانصرف!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة