عز الدولة ودولة العز
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فالمؤمنون أهل عز يأبون محقرات الأمور ويسعون لمعاليها، ولا يرضيهم إلا عياؤها، لأنهم أهل حق وحقيقة، اختصهم الله بشرعه الذي ارتضاه، ودينه الذي شرعه وحماه، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس بعقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وعوائدهم، فما من خيرية تعرفها البشرية إلا والمسلمون أبناء بجْدتها وأهل سؤددها، سبقوا إلى العلوم واستعملوا العقول والفهوم، فاخترعوا الأولويات التي تعيش البشرية الآن في آثارها، وتتمدح بأهل ابتكارها، كل ذلك كان يوم أن كانت لهم دولة عزيزة، وسلطان قاهر، وشعب متحد، فلم يعرفوا المستحيل، ولا رضوا بالقليل، فلما وهنوا بتفرقهم، وذلوا بتخلفهم، وضعفوا بجهلهم، أُديل عليهم من حيث لا يحتسبون، وهكذا جنت الأمة على نفسها {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
دولتنا الرشيدة اليوم هي دولة العز حقاً وحقيقة، فإنها أخذت بمعاقل العز فأرست عليه بنيانها؛ اتحاداً وتلاحماً وتطوراً حضارياً وعلمياً. |
ودولتنا الرشيدة اليوم هي دولة العز حقاً وحقيقة، فإنها أخذت بمعاقل العز فأرست عليه بنيانها؛ اتحاداً وتلاحماً وتطوراً حضارياً وعلمياً، وتكنولوجيا تسابق الضوء، وفوق ذلك تمسّكاً بدينها وقيمها وموروثها الثقافي، وبذلك أضحت محط آمال الناس رغبة في الاقتداء، ومحبة للاستمتاع والاطلاع، فلا غرابة أن تكون الأولى عالمياً في كل جديد مفيد، بل لا غرابة أن تكون الأولى عالمياً في المساعدات الإنسانية؛ لأنها تعرف حاجة الإنسان إلى العز فتسوقه إليه؛ ولأنها عزيزة في نفسها وتريد العز للإنسان، وما أعطاها الله من الخير إلا لأنها تعرف قيمته، وإن أجلَّ قِيَمه أن يكون نافعاً للإنسان ليعيش عزيزًا ولا يذوق الهوان عملا بقوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
هذه هي دولة العز، فمن لا يحب لها العز فله شأن آخر يعيش فيه، ولعل الله يعافيه، والواجب أن يكون عزها هو الهم الأول لأبنائها وقاطنيها ومحبيها؛ فيسعون لتثبيت عزها، وتدعيم نهجها، وتشييد بنائها، وسد خللها، أن تكون فخر الآباء، وأمل الأبناء، وسلوة الأصفياء؛ لأنها عزيزة في نفسها، وعزها عائد على أهلها وغير أهلها.
عز الدولة يجعلها سيدة تقول وتفعل، وتبني للحاضر والمستقبل، ويجعل لها كلمة لصالح الإنسان، وإصلاح الأوطان، ورفع العدوان، ويجعل الناس ينظرون إليها وهي بين الدول شامة، وللرقي بالإنسان علامة، عز الدولة مقصد شرعي، ومنهج وضعي، فالشرع جعل عز الدولة أساس السياسة، وأصل الرياسة، كما ورد في مثله «هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلاً، أو غنماً، فرعاها، ثم تحين سقيها، فأوردها حوضاً، فشرعت فيه فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوه لكم، وكدره عليهم».
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .