# سيلفي

لم أحظَ في طفولتي الممتدّة منذ الولادة إلى ما قبل الرشد بقليل بأي صورة كاملة الأطراف، فكلّما وقع بين يدي ألبوم قديم للعائلة وبدأت أقلّب فيه صور الأفراد علّي أجد سحنتي تحتل وسط الصورة في وضعية «طعج» أو وضعية الجلوس أو الخنصرة أو وضع الإصبع على الخدّ، كما كان يفعل مشاهير السبعينيات، من دون جدوى، لا بل اشتهيت أن أرى وجهي أو جسمي مرّة واحدة بصورته الطبيعية، فخيّل لي أن الذي صورني في تلك المرحلة كان يعمل في البحث الجنائي، لكثرة ما يركز على الأطراف والأعضاء والأصابع ويتلافى التقاط الصور للوجوه.

 

**

في كل مرة يتذاكر فيه الإخوة مرحلة من مراحل العمر من خلال الصور، أسرع وأمسك بطرف الألبوم لأسألهم «أنا وين»؟ فيأتي الجواب في الغالب «شايف الكتف المبين طرفه؟ هذا أنت»، ثم يقلبون الصورة فيقول آخر «يا سلااااام ما أقدم هالصورة».. فأمسك طرف الألبوم من جديد وأسألهم: أنا وين؟ فيأتي الجواب كسابقه «شايف الكتف المبيّن طرفه؟ هذا أنت».. بقيت أسأل من الصفحة الأولى إلى الصفحة السادسة والثلاثين «أنا وين»؟ حتى سمعت جواباً أترفع عن كتابته هنا احتراماً لمشاعركم.

الآن كلما رأيت أحدهم قد صور نفسه بهاتفه المتحرّك «سيلفي» ونشرها على الـ«فيس بوك» أو «تويتر» أو «إنستغرام» أقول بيني وين نفسي: الله يرحم أيام «الكتف القانوني» الذي لم يغب في صورة واحدة طوال ثمانية عشر عاماً، حتى عندما جلست باستوديو تصوير أمام مصوّر محترف نصحني أن أظهر الكتف قليلاً لتظهر الصورة جانبية في جواز السفر!

 

**

في السنتين الأخيرتين ثمة حضور مبالغ فيه للذاتي على حساب الجماعي في كل شيء، الأعمال، الإبداعات، الاهتمام، فلا تشارك إلا مع النفس ولا اهتمام إلا بالنفس، ما يكرّس الأنانية العصرية أكثر فأكثر في حياتنا.

بعض مستخدمي مواقع التواصل أصابهم الهوس، فلم يعد يكتفِ أحدهم بالتقاط صور «سيلفي» لوجهه، بل صار يلتقط صوراً لأجزاء من وجهه وينشرها، مرة ينشر جزءاً من «شاربه» مرة لـ«حاجبيه» مرة لـ«بياض أسنانه» وهكذا «على أي حال الله يستر من الباقي».

على الرغم من أن الذكريات المعتقة بالجماعية صارت تغيب شيئاً فشيئاً، إلا أنني مازلت أؤمن جداً بأني جزء من العالم وليس العالم جزءاً مني.. لذا فأنا «سَلفيٌ» باستخدام «السِلفي».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

الأكثر مشاركة