5 دقائق
أكل الحلال
تعبد الله تعالى عباده بصنوف من أنواع العبادات، من أجلِّها أكل الحلال الذي أمر الله به المؤمنين كما أمر به الأنبياء والمرسلين، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»، وقال: «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ»، فقرن الأكل من الطيبات، وهي الحلال، بالعبادة والعمل الصالح؛ إشارة إلى ما بينهما من تلازم، فإن مفتاح العبادة والعمل الصالح هو أكل الطيبات، لأن العبادة مادة وروح، فمادتها عمل الجوارح، وروحها الإخلاص، والجوارح لا تقوم إلا بما يغذيها من الطعام والشراب، كما أن الشجر لا ينمو ولا يثمر إلا بغذائه من الماء ونحوه، فكذلك الإنسان إن أكل حلالاً أثمر فبث فيه روح النشاط للعبادة، ونفث فيه روح الإخلاص، وإلا فلا؛ فكان أكل الحلال هو السلم الذي يرتقي به المرء لتحقيق العبودية لله تعالى.
«مفتاح العبادة والعمل الصالح هو أكل الطيبات، لأن العبادة مادة وروح». |
ومن هنا نعلم سِر بيان القرآن الكريم لأصناف الأطعمة المحرمة، كقوله سبحانه: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ»، وغيرها من الآيات، لتعلم فتجتنب، كما بينت السنة المطهرة الكثير من ذلك، بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يربو لحمٌ نبت من سحت إلا كانت النار أولى به»، وفي رواية «لا يدخل الجنة لحمٌ نبت من سحت»، والسحت هو الحرام، سواء كان بوصفه، كالمكتسب بطريق غير مشروعة، أو بجنسه، كذوات المحرمات من ميتة ودم وخمر وخنزير، ونحوها، فكانت معرفة الحلال من أهم المطلوبات، تحقيقاً لمبدأ العبودية في الالتزام بشرع الله، وتهيئة الجسم ليؤدي واجب العبادة.
وفي ذلك يقول أبوعبدالله الساجي: «خمس خصال ينبغي للمؤمن أن يعرفها: إحداهن معرفة الله تعالى، والثانية معرفة الحق، والثالثة إخلاص العمل لله، والرابعة العمل بالسنة، والخامسة أكل الحلال، فإن عرف الله ولم يعرف الحق لم ينتفع بالمعرفة، وإن عرف ولم يخلص العمل لله لم ينتفع بمعرفة الله، وإن عرف ولم يكن على السنة لم ينفعه، وإن عرف ولم يكن المأكل من حلال لم ينتفع بالخمس، وإذا كان من حلال صفا له القلب فأبصر به أمر الدنيا والآخرة، وإن كان من شبهة اشتبهت عليه الأمور بقدر المأكل، وإذا كان من حرام أظلم عليه أمر الدنيا والآخرة، وإن وصفه الناس بالبصر فهو أعمى حتى يتوب».
* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .