شهر يغفل فيه الناس
شهر شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، حينما سئل عن سر إكثار الصيام فيه، فقال «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»، فبين أن الناس يعظمون رجب؛ لأنه أول الأشهر الحرم التي فضلها الله تعالى على بقية أشهر السنة، وحقه أن يُعظم كما عظمه الله، فقد قال سبحانه ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، وقد كانت العرب تسميه مُنصِّل الأسنة؛ لأنهم ينصلون أسنة الرماح لئلا يقاتلوا بها فيه، ورجب الأصم؛ لأنه كان لا يسمع فيه قتال ولا نداء مستغيث، ورجب مضر نسبة لقبيلة مضر؛ لأنها كانت تعظمه أكثر من غيرها، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه فلا يثأر منه، فإذا جاء شعبان أطلقوا لأنفسهم العنان فثاروا بالبغي والطغيان، لغفلتهم عن الملك الديان سبحانه، فهم في غفلة عن الله تعالى وهو سبحانه رب الأشهر كلها، فلا يليق بالعبد أن يغفل عن مولاه في أي وقت.
«إن الصيام في شهر شعبان هو ترويض للنفس لشهر رمضان، بحيث يأتي وقد دُربت النفس عليه فلا تستثقله». |
فنبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغي على المؤمن فعله في هذا الشهر من كثرة الصيام لإخراجه عن حيِّز الغفلة إلى حيز الذكر، والعبادةُ في وقت الغفلة من أفضل العبادات كما ورد في الحديث «ذاكر الله في الغافلين، بمنزلة الصابر في الفارِّين»، فإذا أضيف إلى ذلك أن كانت أعمال العباد في سائر العام ترفع في هذا الشهر كان ذلك أدعى للصيام ليكون متلبساً في طاعة، وأجل الطاعات هي طاعة الصيام التي هي من خصائص الرحمن سبحانه، فلم يُتعبد بها لوثن، ولذلك اختصها الله لنفسه كما ورد في الحديث القدسي «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»، فلأن يرتفع عملك وأنت متلبس بأحب العبادات إليه كان ذلك أرجى لقبول العمل وغفران الزلل.
كما أن الصيام في شهر شعبان هو ترويض للنفس لشهر رمضان، بحيث يأتي وقد دُربت النفس عليه فلا تستثقله، ومن هنا قال العلماء إن أفضل النوافل ما كان قبل الفرائض وبعدها؛ لأن القبلية مروضة ومرغبة، والبعيدة جابرة، فكان الصيام في شعبان نافلة رمضان القبلية، كما أن صيام الست بعده نافلة بعدية.
هذا هو شهر شعبان الذي نعيشه، نبهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى فضله بقوله وفعله، فلا يتوانى المؤمن عن التأسي بنبيه، واغتنام فرصة عمره بعمل صالح يقدمه لنفسه عند ربه.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .