قرص «البث»

نبتة دوار الشمس تفني عمرها وهي تنظر إلى قرص الشمس وتتبع تحركاته لحظة بلحظة وزاوية بزاوية، من دون أن تأبه لسوس ساقها، أو أن تخطو خطوة نحو حريتها، أو تكترث إلى موعد قطافها الذي سيدهمها بعيد لحظات.

كذلك نحن، فقد أصبحنا أمة «دوّار الستلايت».. نفني أعمارنا ونحن ننظر إلى قرص «البث» بتحركاته لحظة بلحظة وزاوية بزاوية، من دون أن نأبه بمشكلاتنا أو نخطو خطوة نحو تقدّمنا وتحضّرنا، أو نكترث إلى موعد قطافنا الذي سيدهمنا على غفلة.

نتفنن في الترفيه.. من «عرب آيدول»، إلى إكس فاكتور»، إلى «عرب جود تالانت»، إلى الدوري الإسباني، إلى نهائي أمم أوروبا، إلى الدوري الأوروبي، إلى كأس العالم، كل هذه «التخمة» الترفيهية تكبر وتتورّم.. بينما هناك دول تذوب وتحترق وتتضاءل ويتم تقاسمها كما تقسّم «الذبيحة».

على الإطلاق لا أدعو إلى التشاؤم أو الانكسار، لكن لدينا «اندلاق» مبالغ فيه بكل شيء إلا بالصحيان على أنفسنا أو النظر إلى مستقبلنا، منذ انطلاقة كأس العالم هذا الأسبوع، وكل شيء حولي انقلب إلى رياضي فجأة، دكانة «أبي يحيى» تضع علم البرازيل، صيدلية عبدالمعطي تضع إعلاناً «هنا نبث مباريات كأس العالم».. محال دواجن عوض، محل بناشر رافع الجك، ومحطات غيار الزيت، والمخابز، جميعهم ينشرون جداول كأس العالم، ويغزّون الرايات بثقوب الواجهات وفوق الزجاج، حتى صرت أتخيّل أم العيال حكم ساحة، ورأس ابني عبود «رأس يمار دا سيلفا» وخشم حمزة يشبه خشم نجم المنتخب الغاني «أسامواه»، حتى صوت صاحب بكم البطيخ تحت نافذتي، اختلط مع صوت «عصام الشوالي» في مخيلتي،

جميل التفاعل مع هذا الحدث، لكن الأجمل عندما نشجّع لعبة مثل كرة القدم، أن نتقاطع مع هذه الرياضة ولو واحداً بالألف، مثلاً أن نكون قد ركلنا كرة قبل عقدين من الزمان، أو حرّكنا القدم في مشوار ولو مرة من البيت إلى العمل، بلاش.. على الأقل أن يكون لدينا لياقة الصعود على الدرج، ومهارة حمل جرة الغاز، وليونة وضع رجل على رجل من دون أن نضغط الكرش أو نحدث أمراً، كما أنني بصراحة مطلقة لا أستطيع أن أتخيل رجلاً مهووساً بالرياضة، والمسافة ما بين خده الأيسر إلى خدّه الأيمن مسيرة أسبوع لرجل متعجّل، يضع أمامه وجبة بيتزا دائرية بحجم ميدان التحرير، وخزّان كولا، ومصاصة إنشين، وأرجيلة تفاحتين، ويشجّع إيطاليا مثلاً، من يشجّع إيطاليا عليه أن يكون بقوام «بالوتيلي» أو عُشر لياقته.

المفارقة المضحكة أن كل هذه الأمة الشغوفة بالغناء والرياضة «صوتها لم يسمع مرة».. والرياضة الوحيدة التي تمارسها هي الجري وراء الرغيف.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة