5 دقائق
شرف الجندية
كم يتمنى المرء أن يدرك شرف المهنة التي يعيش بها سعيداً، ويذكر بها ذكراً حميداً، ولا أخالني أجد من يخالفني الرأي أنه ما من مهنة إلا وقد يختلف فيها اثنان وتنطح فيها عنزان سوى الجندية في دولة تقدرها وتعز أهلها وتكرم محبيها والمنتسبين إليها كدولتنا الحانية الحامية، وهذا يذكرني بقول أبي الطيب رحمه الله:
إذا غامرت في شرف مروم … فلا تقنع بما دون النّجوم
فطعم الموت في أمر حقير … كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أنّ العجز عقل … وتلك خديعة الطبع اللّئيم
فكأنه يعني ما أريده في مقالي لقرائي، فالشرف في خدمة الدين والوطن والحاكم هو الشرف الحقيقي الذي لا يدركه إلا عالي الهمة المستصغر لكل مدلَهِمَّة، ذلك أن الدين هو السياج، والوطن هو الحاضن، والحاكم هو الحامي الحارس، والكل يحتاج شباباً أقوياء أسوياء، يقومون بواجبهم، مع ما لهم من المزايا والإكرام بين الأنام، فإذا فتحت الأبواب ليتسابق إليها الطامحون للمجد فانظر من السابق للوصول وحصول المأمول، وقل إنه قد وفق وسدد، وبعون الله أيد.
«الشرف في خدمة الدين والوطن والحاكم هو الشرف الحقيقي الذي لا يدركه إلا عالي الهمة المستصغر لكل مدلَهِمَّة». |
إن فتح باب الانخراط في الجندية يعني أن الدولة تريد الاستمرار بالبناء، وتعزيز مسيرة الآباء، بهمم الأبناء وشمم الإباء، فليكن الكل لها معيناً ولأرضها ونهجها درعاً حصيناً، فإن ذلك عائد فضله وفيضه على الجندي نفسه، فضلاً عن أهله وأمته، وكم من الناس يريد أن يلتحق بركب هذا الشرف العالي لولا ما يحول بينه من عوائق العلائق أو تقدم العمر، ولربما قال: ألا ليت الشباب يعود يوماً... لكنت السابق للأول، وعن ذلك لا أتحول.
الجندية المتاحة اليوم بميزاتها المتعددة وتنوعها المختلف قد لا تستمر طويلاً، فلربما اكتفي بالموجود، وعندئذ سيكون السابق هو المحسود، فلنقل إذاً لشباب المستقبل اغتنموا فرصة الالتحاق وأدوا زكاة شبابكم بخدمة العلم الخفاق بما هو لديكم مطاق، وبذلك تدركون الشرف المروم والحظ المقسوم، فذلك خير من البطالة أو الانشغال بما هو أقل حالة، ناهيك عن أن حق الوطن والعلم هو من أهم الحقوق التي لا بد من بذلها في السعة ليدخر لوقت الضيق، فيكون للنصر حقيق، ولكل طامع معيق، وذلك ما عناه النابغة الذبياني بقوله:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي صولة المستأسد الحامي.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .