الصوم والإمساك
الصيام له بداية من طلوع الفجر، ونهاية بغروب الشمس، كما قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، والمراد من ذلك طلوع الفجر الصادق الذي تجب فيه الصلاة، وعندئذ يحرم ما كان حلالاً من الأكل والشرب والرفث إلى النساء، وهو المبين بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن أم مكتوم». كما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فجعل غاية الأكل والشرب أذان بلال، والأذان هو الإعلام بدخول الوقت، فإذا أذّن المؤذن، وهو مؤتمن على الوقت، فقد أعلمنا بأن النهار قد دخل، وأن صلاة الفجر قد وجبت، فكل من كان قد تهيأ للصلاة بوضوئه ندب له أن يبادر إلى فضيلة أول الوقت، إن لم تكن هناك جماعة ينتظرها، ومعنى ذلك أن الطعام والشراب قد ذهب وقتهما؛ لأن الليل قد انقضى والنهار قد دخل، فلا يسوغ لأحد أن يتناول الطعام والشراب وهو يسمع الأذان أو يعلم دخول وقته؛ لأن هذا انتهاك لفريضة الصوم عن بصيرة، والمستحب أن يمسك قبل ذلك عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان بين أذانه وسحوره «قدر خمسين آية»، كما رواه البخاري من حديث زيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنه،
«الأذان هو الإعلام بدخول الوقت، فإذا أذّن المؤذن، وهو مؤتمن على الوقت، فقد أعلمنا بأن النهار قد دخل، وأن صلاة الفجر قد وجبت». |
ولا يصح الاستدلال بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»، فهو ضعيف عند المحدثين، ولمعارضته النص القرآني وصحيح السنة، وقواعد الاستدلال تقتضي العمل بصحيح الأدلة دون ضعيفها، وأنه لا تعارض مع ذلك.
وعلى التسليم بصحته، فهو محمول عند عامة أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر، بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. وقول الراوي: وكان المؤذنون يؤذنون إذا بزغ، يحتمل أن يكون خبرا منقطعا ممن دون أبي هريرة، أو يكون خبرا عن الأذان الثاني، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده»، خبرا عن النداء الأول ليكون موافقا لحديث «لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال من سحوره، فإنما ينادي ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم»، كما بين ذلك الإمام البيهقي في «الكبرى»، فيتعين على المسلم أن يفقه وإلا وقع في الخطأ الكبير.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .