رمضان شهر التوبة والغفران

ينتظر المسلم شهر رمضان عاماً كاملاً ليكون له فيه حال مع الله قد يختلف عن حاله في سائر السنة، ولا عتب عليه في ذلك فلهذا الشهر من مزايا التوبة ما لا يوجد في غيره؛ فإن النفوس فيه تزكو والقلوب ترق والأفئدة تتطلع إلى فضل الله العظيم، والمرء يعان فيه على التوبة ما لا يعان في غيره، فقد ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين».

«إذا كان كرماء البشر يعتقون الأسرى ويفرجون همومهم في هذا الشهر، فما الظن بواسع الجود والعطاء سبحانه؟».

فالجنة تفتح أبوابها الثمانية للصائمين، يريد كل منها أن يكون محظياً بدخولهم منه، ويحظى بهم باب الريان، وتتزين لهم وتنتظر قدومهم بفرح وابتهاج، والشياطين الذين يضلون عن سواء السبيل يمنعون من الإغواء في هذا الشهر بسلاسل القدرة المانعة من الإغواء، والنار مغلقة أبوابها بمنع دعاتها من التسويق لها، فتبقى الفطرة سليمة، والقلوب متوجهة لعلام الغيوب توبة وإخباتاً، رغباً ورهباً، محبة وتزلفاً، والتوبة مشرَعة أبوابها كذلك، فمن تراه مقصراً في غير هذا الشهر تجده فيه مشمراً عن ساعد الجد للنوافل فضلاً عن الفرائض، ومن يكون عاصياً فجماح عصيانه يكبح فيه ويقبل على الله فيكون سبب توبته وهدايته، وهذا من فضل الله عليهم، ولا ريب أن من وفّق فيه للتوبة نال المغفرة فما جزاء التائبين إلا مغفرة رب العالمين، فإنه كفارة السنة، ولله فيه عتقاء من النار وذلك كل ليلة، فإذا كان آخره أعتق الله بقدر ما أعتق في الشهر كله، ولا تظن أن عتقاء الله في ليالي هذا الشهر قليل، فإنه عطاء أجود الأجودين وكرم أكرم الأكرمين، وإذا كان كرماء البشر يعتقون الأسرى ويفرجون همومهم في هذا الشهر، فما الظن بواسع الجود والعطاء سبحانه؟! ولا يحرم من هذا الجود إلا من سبقت عليه شقوته وذلك هو الذي رغم أنفه.

أما العطاء الأكبر فهو لذلك الذي يوفق لقيام ليلة القدر، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، والتي هي خير من ألف شهر، فمن قام لله تعالى فيها إيماناً واحتساباً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن الذي لا يقوم هذه الليلة ولو بأقل القيام وهو أن يصلي العشاء جماعة والفجر جماعة، فإن وفقه الله لصلاة التراويح فقد أتم القيام، ونال فضل الملك العلام سبحانه، ومن الذي لا يدرك ذلك من المسلمين، فالحمد لله على فضله.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي .

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة