5 دقائق

يوم عرفة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يقف حجاج بيت الله الحرام اليوم على أرض عرفة ليؤدوا أعظم شعائر الحج، ملبين لله، قاصدين وجهه، مخلصين له الدين، منيبين إليه، متآخين متحابين على اختلاف لغاتهم وأعراقهم وألوانهم ومكاناتهم، كلهم يستشعر الرضا والرضوان، وأنه قد حظي بهذا المكان العظيم من بين كثير من إخوانه في أوطانه الذين يرقبون أن يمن الله عليهم بمثل ذلك فيقطِّع قلوبَهم الأسى على عدم الاستطاعة لأن يحظوا بمثل هذه الحظوة العظيمة، فهنيئاً لمن حظي بالوقوف، وأدام لله العكوف، وضرع إليه بدموع الترحم، ولسان الصدق، وقلب منكسر، وبدن خاشع، هنيئاً لهم أنهم اليوم في محل المباهاة بالملائكة الكرام، ومفاخرة الرحيم الرحمن، سائلين الله تعالى أن يجعل لنا بمحبتنا لهم وتعلقنا بهم واستشعارنا حالهم نصيباً من فيوضات الله تعالى في هذا اليوم ما يجبر كسرنا، ويصلح حالنا، ويوحد شملنا، ويرفع البأس عن عباده المؤمنين في أوطانهم وأحوالهم.

يوم عرفة تتعرف القلوب لحضرة علام الغيوب، وتتطهر من دنس العيوب، فتكون لله خاشعة.

إن يوم عرفة ليس لأهل عرفة فحسب، إنه يوم من أيام الله تعالى العظيمة، شرفُه في زمانه كشرفه في مكانه، من تعرض فيه لنفحات الله نُفح، ومن طرق باب رحماته فُتح، ومن استمطر رحمات الله مُنح، فمن لم يكن فيه واقفاً فليكن لله صائماً، فإن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية، ومن لم يكن صائماً فليكن ذاكراً، فهو آخر الأيام المعلومات التي يذكر فيها الله كثيراً، ولا يحرم من شيء من ذلك إلا من تأبَّى على الله وأغواه الشيطان، وأملى له التسويف، وآمنه من التخويف، فيكون من المحرومين.

يوم عرفة هو اليوم الذي ختم الله فيه الدين، وتمت به النعمة، فحقُّه أن يكون يوم تذكر لنعمة الله العظيمة بدينه القويم الذي ارتضاه لنا وشرفنا به، فنفتخر بذلك ونزداد لله شكراً، وبدينه اعتصاماً، وقد كان الوقوف في هذا اليوم – الجمعة – كوقفة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن نزل عليه قوله سبحانه ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ فليكن يومنا تذكراً لهذه النعمة باغتباط، والتقرب إلى الله فيه بصالح القول والعمل، شكراً له على إتمام نعمته وكمال رضوانه لنا بدينه وشرعه.

يوم عرفة تتعرف القلوب لحضرة علام الغيوب، وتتطهر من دنس العيوب، فتكون لله خاشعة، وفي العبادة خاضعة، وللناس متواضعة، فليس في هذا اليوم إلا محبة ووئام، وتراحم بين الأنام، فهو سيد أيام الشهر الحرام، وهو الذي وحد الأمة في ذلك الزحام، فليكن لنا فيه حال يختلف عن سائر الأيام، من الإقبال على الله بالكلية، وطلب كل ما في النية، مما يرضي رب البرية.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

تويتر