مزاح.. ورماح

«بيجامة» الوعود

أحمد حسن الزعبي

رغم أن العملية بكل تفاصيلها جرت أمام عينيه الواسعتين إلا أنه لم يكترث لذلك الاتفاق الذي تم على عجل، فلم يمتعض من ذلك البائع «بدنه»، ولم يتوجس من الآخر الدافع «ثمنه»، بل كان يلهي نفسه بالمضغ السريع أحياناً وبالاجترار أحياناً أخرى نائياً بنفسه عن كل تفكير بسوء.

سُحب من قرنيه ودفع في مؤخرته إلى صندوق «بيك أب» النقل، ومع ذلك لم يشغله هذا النقل المفاجئ من قفص ثابت إلى قفص متحرك، على العكس تماماً فقد كان ينظر من بين خشبات الصندوق منتشياً، هو يراقب الأشياء تمر مسرعة، الأشجار البنايات دوريات الشرطة، الإشارات الضوئية، الحواجز الإسمنتية، معتقداً أن كل هذه الأشياء التي تجري أمامه تؤدي له التحية والطاعة وهو الثابت الوحيد، ولم يخطر بباله لحظة أنه المحمول إلى حتفه الأخير، يمين يسار يمين يسار وصل «البيك أب» إلى الحي، وقف السائق في دخلة ضيقة بين البيوت، أطفأ المحرك، فتح باب الصندوق سحب الخروف من قرنه الملتوي، وساعده المشتري الجديد بدفع مؤخرته، ومضيا به إلى بوابة البيت، مشى ذو العينين الواسعتين خطوتين نحو البوابة، شاهد أبناء المالك الجديد يفتحون الباب استعداداً لدخوله، لمح في باحة البيت لحّاماً بجزمة طويلة، وسلّماً مسنداً إلى الحائط في فيء الغرفة، وحبلاً غليظاً مربوطاً بشجرة التوت، وثمة قطّاعات وسكاكين مسنونة على شباك المطبخ، تباطأت مشية الخروف قليلاً، وفي الخطوة الرابعة غرز رجليه بالأرض الرملية ونزّل «إليته» تماماً وأصبح في وضعية جلوس كامل، لقد توقّف عن المشي، حاول صاحبه أن يجره من دون جدوى، شده من قرنيه بقوة وعزم حتى انتفخت عروقه، لكن الخروف تسمّر في مكانه خوفاً من المشهد المرسوم في ساحة البيت، حاول ضربه ودفشه وصفعه، لكنه كان يزداد تمسكاً بالأرض وحفراً في الرمال، اقترب اللحام من الأضحية قليلاً، وشوشها، فاصدر الخروف مقطعين من «الثغاء».. وشوشه اللحام ثانية فنهض الخروف ومشى معه بكل سهولة.. اندهش صاحب الخروف واعترض طريقهما رافضاً أن يفسح لهما ما لم يخبره اللحام ماذا همس بأذن الخروف،

قال اللحام سألت الخروف:

• هل تخاف من الذبح؟

فأجاب الخروف: بل أخجل من السلخ، كيف لي أن أتعلق من رجلي عارياً أمامكما، فوعدته بـ«بيجامة» حرير تستره بعد السلخ فوافق.

• اللحام: الذكاء أن ترضي «أضحيتك» بالخطوة الأولى بعدها لن يحاسبنا على بقية الخطوات.

 ***

المنطقة كلها تمشي إلى المذبح من دون أن تفكر بسوء، فَرِحةً بـ«بيجامة» الوعود والخلاص من الإرهاب.

مصيبة المصائب.. أن ما بعد الذبح وبيجامة السلخ هناك في الانتظار «ساطور» التقسيم!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر