5 دقائق

محاربة الفكر المتطرف

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مرت على الأمة الإسلامية أفكار متطرفة كثيرة، في كل أطوار حياتها وعصورها المختلفة، فمن فكر الخوارج إلى القدرية إلى الإرجاء إلى الاعتزال.. وكلها كانت أفكاراً لا تترجم لأفعال، إلا ما كان من فتنة الخوارج التي لم تستمر كثيراً، وفكرة الاعتزال في استغلال الساسة لضرب خصومهم، وكانت تحارب بفكر تنويري لا يلبث الفكر الضال أن ينحسر ثم يتلاشى.

«ولم تمر على الأمة فتنة كفتنة اليوم التي ترجمت لأفعال لم تعرف الأمة أكثر نكارة منها».

ولم تمر على الأمة فتنة كفتنة اليوم التي ترجمت لأفعال لم تعرف الأمة أكثر نكارة منها، إنها فتنة الضلال المبين الذي لا يخفى على من له مِسكة عقل، إلا أن يكون قد أضله الله، فكان من الذين لهم عقول لا يفقهون بها، إنها فكرة الخروج على الأمة بحد السِّنان فيقتل البر والفاجر، والمسلم والكافر، فكرة ما بات يعرف بين عشية وضحاها بالفكر «الداعشي» وأشباهه الطائفي، الذي كان على موعد مع الزمن، وهو مستمد أصلاً من الفكر الخارجي، ولكنه فاقه إجراماً، فكان كما قال الشاعر:

وكان امرءاً من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده

وها هو اليوم يستعصي على دول عديدة، وجيوش جرارة، تمطره بوابل القنابل، وهو لايزال صامداً ويكتسح بلدة بعد أخرى، فما الذي يوقفه غير قوة قاهرة، قد لا تكون محرقة للأجساد، لكنها تحرق الفكر الزائف بنور الحق الذي لا يقاوم، كما حدثنا التاريخ عن الخوارج في نشأتهم الأولى، فإنهم لما قويت شوكتهم وقاتلوا الصحابة والتابعين، والخلافة الراشدة، حاربهم سيدنا علي باللسان كما حاربهم بالسنان، فأرسل إليهم ابن عباس، فسألهم ماذا ينقمون؟ فذكروا له أن علياً حكم الرجال، ولا حكم إلا لله، وأنه قاتل ولم يَسب، وأنه محى اسمه كأمير للمؤمنين، شبهات يذكرونها هي أشبه بالترهات، فجادلهم بالحجج الدامغة، ودحض باطلهم شيئاً فشيئاً حتى رجع منهم 4000 مقاتل، منهم بعض زعمائهم، وبقي ألفان، وقيل 20 ألف مقاتل وبقي أربعة، فقتلوا بعد ذلك، وما كان له أن يكسر شوكتهم إلا بسلاح فكري مضَّاء.

وهذا ما يتعين أن يكون في هؤلاء المنحرفين فكرياً، كما دعا إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، في مقاله الأخير، فيتعين على العلماء والدعاة وأصحاب الأقلام أن يستخدموا هذا الأسلوب مع هذا الفكر، لعل الرسالة تصلهم فيرتدعون، وتصل إلى من في قلبه دخَن فيتعاطف معهم، أو يفكر في الانخراط بهم فيتعظون.

إن الفكر الناشئ على ضلال هو على جرف هار، سرعان ما يرجع إذا تبين له الحق، وعندئذ يكفي الله المؤمنين القتال.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .   

تويتر