كل يوم
الثالثة والنصف فجراً.. بداية يوم جديد!!
كلماته، ونبراته، وأسلوبه الهادئ المباشر، تتجلى فيها حكمته، وقوة شخصيته.. تشعر تجاهه بعاطفة الأبوة، ويتسلل دفء غريب في حنايا قلبك وأنت تستمع إليه.. وحتى إن كان في كلماته شيء من اللوم أو العتاب، فإنك تعشق الاستماع إليه، وتتمنى، على غير عادة وفطرة الإنسان، أن يستمر في عتابه، لأن عتابه هو عتاب المحب، يرمي من خلاله إلى النصيحة والإصلاح ولا شيء غيرهما.
كثيرون من المقربين من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حذروني من خلط اللغة العربية بمصطلحات أو كلمات إنجليزية، عند التحدث معه، لأن ذلك أكثر ما يزعجه، بل يؤلمه، لأنه يؤمن تماماً بأن اللغة العربية لغة جميلة ووافية، ومفرداتها غزيرة وشاملة، ويمكنها أن تغطي جوانب الحياة كافة بشكل أفضل من اللغة الإنجليزية، مع العلم أن سموه مارس مهنة التدريس في بدايات حياته، وكان معلماً للغة الإنجليزية، لذا فإن ما يؤمن به اليوم بفضل اللغة العربية عما سواها لم يأتِ من فراغ!
«فوجئت بصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، يطلب من الحضور عدم إدخال المصطلحات الإنجليزية في اللغة العربية؛ لأنها تجرحها وتشوهها، واللغة العربية لغة جميلة، وشاملة، وخالدة». |
ومع كل تلك التحذيرات، فإنني فوجئت بسموه عقب انتهاء جلسة «تاريخ النشر الصحافي في الإمارات.. الماضي والحاضر والمستقبل»، التي تحدث فيها رؤساء تحرير الصحف المحلية «البيان والاتحاد والإمارات اليوم والخليج»، يلفت نظري إلى النقطة نفسها، ويطلب من جميع الحضور عدم إدخال المصطلحات الإنجليزية في اللغة العربية؛ لأنها تجرحها وتشوهها، واللغة العربية لغة جميلة، وشاملة، وخالدة.
استرجعت الذاكرة، فلم أجد في كلامي ما يغضب الشيخ سلطان، لذا سألته مستغرباً عن تلك المصطلحات، فقال: قلت «KG» والأولى أن تقول «رياض الأطفال»، وقلت «نشيك» على الصفحات، والأجمل لو قلت «ندقق» عليها، وأخيراً قلت «sorry»، ولماذا لم تقل «آسف»؟ ألا يكفيك ذلك؟!
نعم يكفيني، وبصراحة لم أكن أتوقع أنه دقيق إلى هذا الحد، ولم أتوقع أنه يعشق اللغة العربية كل هذا العشق، وهذا ما يجب أن نكون عليه جميعاً، علينا أن نعتز ونفتخر بلغتنا الأم، ولا نعتقد أبداً أن الرقي والتطور والعلم مرهون بالمفردات الإنجليزية والتحدث بها، صحيح أن اللغة الإنجليزية مهمة للغاية، بل وضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، للعمل، والتطور، والتنمية، ولابد من التركيز عليها في المناهج التعليمية كلغة ثانية ضرورية، ولابد أن يتقنها أبناؤنا بشكل كامل، لكن هذا لا يعني أن يحدث بعضنا بعضاً بها، ونتكلم مع أبنائنا بها، معتبرين ذلك قمة الرقي، ولا يعني أن نتعامل مع من لا يتقنها على أنه لا يفهم، ولا يمكن أن يترقى في عمله، أو يُحرم الحصول على فرصة مناسبة للتطور في مسلكه المهني!
صاحب السمو حاكم الشارقة ليس دقيقاً فقط في اللغة العربية، بل هو صاحب برنامج يومي غريب، فيومه يبدأ قبل الجميع، مبكراً للغاية، ومن دون مبالغة في الثالثة والنصف فجراً، ويبدؤه بالقراءة، وجزء رئيس من هذه القراءة يخصصه للصحف المحلية، فيقضي ساعتين أو أكثر في قراءة كل ما يُكتب من تحليلات سياسية، وقضايا محلية، ومتابعات يومية، ثم يحتفظ بما لم يستطع قراءته فجراً، ويعود إليه في وقت آخر، ومن دون مبالغة ثانية، فإن صحف اليوم تُترك عند سموه أسبوعاً كاملاً حتى يفارقها ويُبعدوها عنه!
لا غرابة أن يكون هذا فعل حاكم حكيم كالشيخ سلطان بن محمد، فهو مهموم بشعبه، وأبنائه، ومهموم بتوفير الحياة الكريمة لهم، إنه نهج متأصل في قادة الإمارات، نهج حكيم العرب ــ رحمه الله ــ الشيخ زايد بن سلطان، الذي يسير الجميع عليه، وهو أساس الرخاء والرفاهية والتنمية في الإمارات.
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .