كل يوم
تنظيم الفوضى.. عمل حضاري
الفوضى عكس التنظيم، لا جديد في ذلك، لكن الجديد هو تنظيم كل فوضى وتحويلها إلى مكان إيجابي مفيد، والأجمل أن يكون هذا التنظيم مشروطاً بقوانين وأنظمة رسمية تم الاتفاق عليها بعد الوصول إلى قناعة بأهميتها وجدواها، وليس مجرد إطار عام غير إلزامي يأخذه من يشاء ويتركه من يشاء!
القانون يعاقب من يعمل طبيباً من دون ترخيص، وكذلك المهندس والمقاول، وحتى بائع الخضرة، في حين أن كل شخص هنا يستطيع أن يعمل إعلامياً، ومديراً لموقع إخباري من دون أن يبذل جهداً سوى «القص واللصق» |
هذا ما حدث عند تنظيم الفضاء الإخباري الإلكتروني في مصر، مجتمع واسع كان يعاني الفوضى والعشوائية، وتنخر فيه الشخصنة والأمزجة، وتغيب عنه بشكل كامل المهنية والأخلاق وشرف المهنة، الجميع لاحظ ذلك، والجميع أدرك استحالة بقاء الوضع على حاله هذه، والجميع اقتنع بضرورة تنظيم هذه الفوضى، ولذلك بدأ العمل على التغيير من الممارسين أنفسهم، من دون تدخل من أي سلطة رسمية، نظموا أنفسهم بقناعة، ووضعوا الشروط ومشروعات القوانين والأطر التي ينبغي فرضها لبناء مجتمع إلكتروني أفضل وأرقى، اتفقوا عليها ثم رفعوها إلى السلطات ليحصلوا على الاعتراف الرسمي، والتنظيم القانوني، وأصبح الفضاء الإخباري الإلكتروني منظماً بحكم القانون، ومن يخالف يواجه القانون الذي سيأخذ عندها مجراه!
هكذا نحن العرب يختلط عندنا كثيراً مفهوما حرية التعبير والتعدي على الآخرين بالقذف والسب والشتيمة، أو التعدي على حقوقهم، فرسولنا الكريم يقول لنا: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، ونحن العرب المسلمين نبدأ بعرض كل مسلم أو غير مسلم، ونلوكه سباً وشتيمة وانتهاكاً من دون حدود، عند أول اختلاف، ونعتبر ذلك حقاً مشروعاً، فكل المسلم عندنا قابل للانتهاك بدءاً من عرضه فهو الأسهل، وانتهاء بكل ما يملك!
لذا لا يمكن ترك فضاء من دون تنظيم، ولا يمكن الاعتماد على القناعات الشخصية من دون تدخل قانوني في كل المجالات، ما حدث في مصر من تنظيم الفضاء الإخباري الإلكتروني، وإنشاء الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية إنجاز جيد، بل رائع، وهو خطوة إلى الأمام، لكنها تحتاج إلى خطوات أخرى لاحقة، في مختلف الدول العربية، ونحن هنا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، ونحتاج إلى تنظيمات وقوانين كثيرة تحدّ من الفوضى الأخلاقية وغير المهنية، المنتشرة في الفضاء الإخباري أولاً، وفي مواقع التواصل ثانياً.
هناك كثير من الانتهاكات لشرف المهنة الصحافية، وتجاوزات تندرج تحت بنود السرقات الصحافية، والتعدي على حقوق الملكية، فهناك مئات الأشخاص يتحولون إلى مواقع إخبارية تعيد نشر المنشور في الصحف، من دون ترخيص، ومن دون الالتفات إلى حقوق هذه الصحف، وكأن المادة الصحافية مشاع لكل من يريد الاستفادة المالية منها!
القانون يعاقب من يعمل طبيباً من دون ترخيص، وكذلك المهندس والمقاول، وحتى بائع الخضرة، في حين أن كل شخص هنا يستطيع أن يعمل إعلامياً، ومديراً لموقع إخباري من دون أن يبذل جهداً سوى «القص واللصق»، ومن دون أن ينفق فلساً واحداً، ومن دون أن يعيّن موظفين غير نفسه، ومع ذلك يسوق بضاعة ويبيعها من دون أن يملكها أو ينتجها بنفسه!
هذا الأمر توقف في مصر، وبقوة القانون، وهذا ما يجب أن يسود، فالتنظيم أساس الحياة، والعشوائية مؤشر إلى بعد المجتمع عن التطور والحضارة، ونحن في الإمارات مجتمع حضاري راقٍ متطور في كل المجالات، ولا أعتقد أن استمرار هذه الفوضى أمر مستحب أو مرغوب.
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .