«بابا نويل» بالبدلة الرمادية..
فقط في بداية التسعينات من القرن المنصرم، أدركت أن بابا نويل (ما غيره) يرتدي بدلة حمراء بعد أن ظل اعتقادي طوال فترة الطفولة أن صاحب اللحية البيضاء الذي يوزّع هدايا على الأطفال في ليلة رأس السنة، يرتدي بدلة رمادية تشبه لباس «ختيارية» بلدنا. طبعاً ذلك الاعتقاد ليس بسبب عمى الألوان، ولا جهلاً مني بتدرجّات ألوان الطيف، ولكن بفضل تلفزيوننا الأوحد الذي ظل يبث بالأبيض والأسود ويحتاج ربع ساعة ليضيء، وربع ساعة ليشتغل، حتى تقاعد عن عمر يناهز 30 عاماً.
كنا أطفالاً نجلس حول الشاشة، نتابع مسلسلات الكرتون المتاحة على القناة الوحيدة، نتفاعل مع الثلج الساقط والموسيقى الساحرة، نرى الأبخرة من أفواه الغزلان التي تجر عربة «بابا نويل»، وهو يمر بين الأكواخ البعيدة المضاءة، يطرق الأبواب فنفتح أفواهنا أكثر، يترك هدية بجراب خلف الباب، فنحكّ رؤوسنا غيرة من بطل الكرتون.. وعندما يخرج الهدية من الجراب وغالباً ما تكون لعبة أو دبدوباً، يسيل لعابنا على ركبتنا، وأحياناً وبسبب الانسجام العميق الذي كان يخدّرنا أثناء المتابعة، إذا ما تعثّر قط بـ«تنكة» على السياج كنا نركض معتقدين أن بابا نويل وصل إلى الحارة «الشرقية»، ثم نعود إلى المتابعة بعد أن يخيب اعتقادنا.
ذات مرّة، وأثناء مشاهدتنا لبابا نويل صاحب البدلة الرمادية، الذي تجرّ عربته غزلان الثلج، صادف وصوله إلى بيت «الأرنب السريع»، وقرع جرس باب «الأرنب»، بأن رنّ جرس بيتنا، فهرعنا جميعاً معتقدين أن هذا «الشايب» المحترم، قد وصل أخيراً، وسيعطينا من كيسه ما يجود به علينا، أسوة ببقية أطفال العالم.. وما إن فتحنا الباب حتى وجدنا «أبوخلدون» جابي الكهرباء يضع حقيبته الجلدية على ركبته، ويخرج رزمة فواتير، ويلحس إصبعه أثناء بحثه عن فاتورة باسم الوالد، ثم استلها من بين مئات الأوراق المتطابقة تحت «المطاطة»، قائلاً: «22 دينار ونص، بتجيبوا النص قبل الـ22».
ومنذ ذلك التاريخ أيقنا ما معنى «الأسطورة»، فنحن في زمن لا يوجد فيه من يطرق بابك ليعطيك.. بل هناك من يطرق بابك ليأخذ منك.
حتى بابا نويل نفسه يدفع فاتورة سهره في رأس السنة.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .