وطن بلا قلب..
صباح الجمعة الماضي عثر فلاح يوناني على طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات متكوّرة إلى جانب جثة والدها المتوفى على مقربة من نهر «إيفروس» في اليونان.. وعند التفتيش في أوراقه الشخصية التي كانت بحوزته، اكتشف الفلاّح أن الأب سوري الجنسية، ويبلغ من العمر 32 عاماً.. وكان قد توفّي متجمّداً أثناء حماية طفلته من الصقيع، إذ تتدنى درجات الحرارة في مثل هذا الوقت من السنة إلى أقل من الصفر المئوي.
نحن لا نتحدّث عن مسلسل كرتوني مترجم إلى اللغة العربية.. نحن نتحدث عن مسلسل «مليوني» مترجم من اللغة العربية إلى كل لغات الحزن والقهر والذل واللجوء والموت تحت الصفر.. الإنتاج هناك في دمشق، في حلب، في حماة، في حمص، في درعا، والتوزيع إلى كل أصقاع الأرض.. والشعار الإنتاجي: خيمة وأربعة أوتاد، وعلامة زرقاء كالمعتاد..
أب يموت متجمّداً ليدفئ طفلته.. نحن لا نتحدّث عن رواية كتبها أديب عربي من محض الخيال وينوي أن ينافس بها في جائزة «البوكر»، نحن نتحدث عن رواية كتبها «نظام بشار الأسد» من وحي القتال، خطّها بالدم الأحمر، وبأصابع الأطفال..
أب يموت متجمّداً في اليونان ليدفئ طفلته اللاجئة.. وفي الوطن الصامد، في اليوم الواحد، آلاف اللترات تملأ خزانات الدبابات، والطائرات، والمواكب، والمراكب، والقصور المدفأة، والحصون المخبأة.. يا سيدي العظيم المعظّم يا مولانا المتوّج، أعطني حصّتي من «المازوت» أولاً ثم اقتلني بعدها، لأن تنتزع قلباً دافئاً.. خير لك ألف مرة من أن تنتزع «القلب المثلّج».
***
يا صديقي العربي القطبي المتجمّد قرب «الإيفروس».. الأنفاس لا تصنع «معطفاً» من اللهاث، والأقدام وإن غزلت آلاف الخطوات لا تصنع لك وشاح كرامة أو «وطن».. لذا يا صديقي العربي القطبي المتجمّد.. في هذه الدنيا العابسة.. عندما يضيق مسقط رأسك برجليك.. ويتسع لأرجل كرسي الزعيم في ولايته الخامسة، عليك أن تحمل حلمك على ظهرك، وأطفالك بين أسنانك كما تفعل القطط وتغادر إلى أبعد يابسة..
يا صديقي العربي القطبي المتجمّد.. وطن بلا قلب.. يصنع قلباً بلا وطن.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .