كل يوم
سوق خضار أم عقار؟!
الهدف من بناء سوق حديث للخضار والفواكه في منطقة العوير كان إيجاد بيئة أفضل، ومكان أرحب، ومواصفات عالية تناسب التطور العمراني لمدينة دبي أولاً، وتناسب حجم العمل والأهمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية لتجارة الخضراوات، فالسوق لا تقل وارداته من الأغذية عن 10 ملايين طن سنوياً على أقل تقدير، ولذلك نقلته الحكومة من منطقة الحمرية إلى العوير، في مبانٍ جديدة ومساحات واسعة عوضاً عن «الكبرات» القديمة.
ولكن للأسف الشديد، فإن ممارسات السبعينات والثمانينات التي كانت موجودة في سوق الحمرية القديم، ومن قبله في سوق السبخة، انتقلت وبشكل ربما أشمل إلى المباني الجديدة في العوير، على الرغم من وصولنا إلى عام 2015، وعلى الرغم من وجود معايير حديثة راقية تسير عليها جميع الجهات الرسمية في دبي، من ضمنها بلدية دبي، التي نفذت مشروعات رائعة وحضارية نفخر بها جميعاً، ولا أعرف شخصياً سبب تنازل البلدية عن كثير من معاييرها في هذا المكان الحيوي المهم!
«المشكلة تنظيمية في الأساس، وفي دخول (تجّار العقار) السوق، فهم سبب المشكلة، وهم سبب الضغط، وعليه فإنه يفترض أن تضع البلدية سياسة جديدة وصارمة للتوزيع في مشروعات التوسعة المقبلة». |
كان مشهد العربات أو «الجواري»، التي يجرها الحمالون وهي معلقة على صدورهم مقبولاً قبل 20 أو 30 عاماً، ومشهد الحمال ذاته وهو ينام فوق هذه العربة شتاء، وتحتها صيفاً في انتظار الزبائن، عادياً إلى حد ما حين ذاك، لكن هذا المشهد لم يعد مقبولاً اليوم في دبي، التي تتفوق على العالم في مجال جودة الخدمات، هذا المشهد مع تراكم «العربات» القديمة في ساحات السوق يشكل إساءة لنا ولتطورنا، خصوصاً أن هناك نماذج جيدة في مدن أوروبية وآسيوية تجاوزت هذه المشاهد منذ فترة طويلة، وهم من دون شك ليسوا بأفضل منا أبداً!
عموماً ليت المشكلة انحصرت في شكل أو عدد أو مخالفات «الحمالية»، لكان الأمر هيناً، بل إن التجاوزات وصلت إلى موضوع الصحة والسلامة، وتلف الأغذية، وبيعها مغشوشة تالفة للناس والمطاعم، وفي ذلك لن نلوم التجار والبائعين بقدر ما نلوم الجهة المشرفة التي لم توفر البيئة المناسبة لأماكن بيع وتخزين ونقل الخضراوات، واكتفت بتأجير مساحات خالية تحت الشمس بـ80 درهماً للمتر المربع، في حين تخسر الدولة والمزارعون ملايين الدراهم جراء تلف هذه الخضراوات، وتبعات ذلك!
لا لوم على التجّار، فإنهم إن وجدوا ما يريدون فلن يترددوا في التعاون، لأن استثماراتهم وأموالهم مرهونة بتطوير السوق، ولا مانع لديهم حتى من المساهمة في هذا التطوير، وتجار السوق الحقيقيون لا «تجار تأجير المساحات» لديهم خبرات عملية، وإمكانات مالية، والتواصل معهم هو أفضل الطرق لحل مشكلات السوق، ولابد من تفعيل لجنة التجار، وتعاون الجهات الإدارية معها، وتذليل العقبات لها، للوصول إلى مظهر يرتقي لأن يكون في دبي!
ولكن ما يحدث الآن ــ وفقاً لعدد من التجار الذين قضوا حياتهم في هذه التجارة ــ هو غلق لجميع طرق التواصل والتفاهم والتقارب بينهم وبين البلدية، وهو ما أدى إلى الحالة التي وصل إليها السوق، وهذا يتنافى مع كون البلدية جهة خدمية، دورها الذي يجب ألا تحيد عنه هو تأدية خدمة عامة للجمهور وللتجار.
المشكلة ليست فقط في المساحات، ولا نقص البرادات والمواقف، وهذا ما تعكف البلدية حالياً على معالجته كما جاء في ردها، المشكلة تنظيمية في الأساس، وفي دخول «تجار العقار» السوق، فهم سبب المشكلة، وهم سبب الضغط، وعليه فإنه يفترض أن تضع البلدية سياسة جديدة وصارمة للتوزيع في مشروعات التوسعة المقبلة، وأن تتم معاملة التجار وفقاً لقوانين ومعايير واضحة وعادلة، فلا يجوز توزيعها بشكل غامض، بحيث يحصل من لا يستحق على نصيب المستحق، وتالياً على البلدية محاربة التأجير بالباطن، فهي مسألة ليست صعبة، حتى يظل السوق للخضار ولا يتحول إلى سوق عقار!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .