التعلم الاجتماعي

سيظل موضوع التعلم من الموضوعات الغنية، التي تحتوي دائماً على الجديد، وفي رأيي أن أهم مهارة مستدامة لدى الإنسان هي قدرته على التعلم، واكتشاف طرق جديدة تساعده على التعلم، وتنقيح و«فلترة» ما يتعلمه، لأنه ليس كل ما يتعلمه المرء جيداً ومفيداً، فقد يتعلم مهارات وسلوكيات سلبية وهدّامة، كأن يتعلم كيف ينافق رؤساءه، وكيف ينجو بأخطائه، بل ويحولها على آخرين، وكأن يتعلم كيف يكذب، ويقنع مَن أمامه بوجهة نظره، أياً كانت الوسيلة، لكن التعلم الإيجابي المرجو هو التعلم الذي يضيف قيمة إلى فكر الإنسان وحياته ولمن حوله، ويساعد على تحسين بيئة العمل، والحياة بصفة عامة.

«المهم أن نتعلم كيف نتعلم، ومن أهم عوامل النجاح لأي إنسان قدرته على التعلم الواعي، وتحليل السلوكيات بفعالية».

يعتبر «التعلم الاجتماعي» من أهم أنواع التعلم، وذلك لأنه مرتبط بوجود الإنسان، وليس بمنصبه أو وضعه المالي أو الوظيفي، فالتعلم الاجتماعي هو أحد أنواع التعلم غير الرسمي، الذي لا يحتاج إلى فصول دراسية أو قاعات تدريب أو مدربين أو مناهج، فهو ملازم لنا في حياتنا اليومية، ومرتبط بقدرتنا على ملاحظة ما يجري حولنا، واستخلاص الدروس المستفادة، ثم تنقيحها، وتقرير ما الذي سنطبقه من هذه الدروس وما الذي سنهمله، أي أنه يحدث على ثلاث مراحلة، هي: الملاحظة، والتقليد، والتعزيز، ويظهر ذلك واضحاً عندما يلتحق الموظف بمكان عمل جديد، فيبدأ بملاحظة سلوكيات زملائه، ثم يبدأ في تقليد تلك السلوكيات ومحاولة الاندماج معهم، ومن ثم يعطي أهمية كبيرة لتعزيز السلوكيات التي تعود عليه بالفائدة.

من أهم علماء التعلم الاجتماعي «جوليان روتر»، الذي عمل استشارياً نفسياً للجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، و«ألبرت باندورا» الذي تدرّس نظريته في التعلم الاجتماعي بكليات التربية في العالم، والذي يوصف بأنه أعظم عالم نفس على قيد الحياة، وواحد من أكثر علماء النفس الأكثر تأثيراً على مر الزمن.

أتمنى أن تدرَّس تلك النظريات لجميع الطلاب، وليس لطلاب كليات التربية فقط، فمن المهم أن نتعلم كيف نتعلم، ومن أهم عوامل النجاح لأي إنسان قدرته على التعلم الواعي، وتحليل السلوكيات بفعالية، وعلى الفرد أن يكون «انتقائياً» في اختيار ما يتعلمه وما يطبقه، وعليه ألا يقبل بالجودة الرديئة، وألا يفعل أشياء لا تضيف قيمة حقيقية إلى ما يقوم به، كما أن عليه ألا يقبل الأخطاء. إن نجاح أي إنسان يكمن في كيفية استفادته من التجارب والخبرات الحياتية، وتوظيفها بما يعود بالنفع عليه وعلى من حوله، وهنا يكمن عنصر الاستدامة، فالمال لا يبقى، والمنصب لا يدوم، والوضع الاجتماعي زائل، وتبقى فقط لدى الإنسان قدرته على التعلم، وإيمانه بالله ثم بأهمية ما يقوم به.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة