مزاح.. ورماح

الله يرحمك يا جدّي

أحمد حسن الزعبي

وجه الشبه بيني وبين المليونيرية الأسترالية الصغيرة «أوليفا ميد»، أنا فقدنا والدينا في سنّ مبكرة، فنشأنا هكذا «بعلاً» من دون سقاية أو رعاية أو دلال أو حنان أبوي.. أنا فقدت والدي، رحمه الله، في سن الثانية عشرة من عمري، و«أوليفا ميد» فقدت والدها وهي في سن السابعة العشرة، لكن الفرق بيني وبينها أن جدّها لأبيها ملياردير يدعى «بيتر رايت» رائد التنقيب عن المعادن، وجدّي لأبي رائد التنقيب عن الشيب الأبيض في شواربه من «قلة الشغل».

ما علينا، قبل أيام حكمت المحكمة لهذه الصبية بثلاثين مليون دولار نصيبها من تركة والدها، كما طلب منها القاضي أن تقدّم قائمة باحتياجاتها المتوقعة خلال السنوات السبعين المقبلة، المفترض أنها ستعيشها حسب معدل الأعمار في أستراليا، كتعويض مجزٍ لها عن فقدان حنان الأب، فطلبت: منزلا كبيراً بقيمة 2.5 مليون دولار، وسيارة «أودي» موديل السنة، وسيارة عائلية في حال تزوجت على خير وسلامة، تحسباً لمجيء أطفال في المستقبل، إضافة إلى آلة بيانو مصنوعة من الكريستال بقيمة 1.53 مليون دولار، ومستلزمات الزفاف، وغيرها من الطلبات، ولم تنسَ أوليفا نفقات العناية بكلبها وسمكتها المفضلة، فوافقت المحكمة على طلباتها من دون نقاش.

طيب لماذا لا يوجد عندنا شيء مشابه؟ أقصد لماذا لم يحاول القاضي أن يعوّضني عن فقدان حنان الأب كما فعلوا مع الحسناء الأسترالية، كما أنه لم يسألني عن قائمة احتياجاتي خلال السبعين سنة التي سأعيشها، وما يدريه فقد كان ينقصني وقتها «ثلاث فانيلات داخلية، وأربعة أزواج جوارب مخططة، وحقيبة مدرسية مرسوم عليها بطل افتح يا سمسم (كعكي) و(بوط مسامير)».. المشكلة أنه في وقتها، يعني وقت وفاة والدي، أنا لم أرَ القاضي بعيني المجردة، كنت قاصراً في نظر القانون والأهل.. وبقيت كذلك إلى أن أصبحت أشتري شفرات «جيليت الثلاثية» بالدزينة، واخشوشن صوتي، وفُقئت حنجرتي أسفل ذقني، وبرزت بشكل منفر، حيث كانت اقرب إلى التشوه الخلقي.. عندها أيقنوا أنني بلغت سن الرشد ورفعوا عني الوصاية وصرت حراً في التصرفات القانونية والمالية «طبعاً فيش مال حتى أتصرف»!

***

ماذا يعني أن ترث أوليفا أكثر من ثلاثين مليون دولار نقداً ومثلها بيت وسيارة واستثمار وغيرها.. أنا قد ورثت عن جدّي ما لا يقدر بثمن ولا يباع ولا يشترى: لقد ورثت عنه السكري والضغط.. و12 ربطة خيطان «للحصيدة».. وعلبة دهان «زيتي» ناشفة!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر