مزاح.. ورماح

«الدعدوش» الصغير

أحمد حسن الزعبي

لم أستطع إزالتها من مخيلتي، رغم كل مساحيق النسيان، عنيدة وقوية وداكنة، مثل نقطة دم قديمة على ثوب رضيع، صورة ذلك الطفل الداعشي الذي يحمل بيده مسدساً ويصوّبه برأس رهينة ويقتله، عينان جميلتان حادتان مناسبتان جداً للتحدي في اللعب، للمبارزة في سيف من بلاستيك، في مباراة كرة قدم، في «بلاي ستيشن»، لا في لعبة الموت والحياة.

ترى كيف نجحوا في استئصال البراءة من طبع هذا الطفل دون أن يموت بين أيديهم، أو ترف جفونهم؟ كيف تم تذويب العاطفة، الخوف، الرجفة، الرحمة، الدمعة، الخليط الطفولي الساكن في صوته الناعم، ووجهه الرقيق كورق الورد، وصُبّ مكانها الرصاص والدم والديناميت والانتقام؟

تخيّلوا لو أن هذا الطفل الجميل يذهب كل صباح إلى مدرسته، ككل أطفال الدنيا، يلعب مع رفاقه، يعود ليحل واجباته، على دفاتره «طوابع» ملونة، وفي حقيبته أوراق امتحان وعلامات كاملة، يمارس اللعب في الحارة مع أبناء الجيران، يسجل هدفاً ويسقط أرضاً، يجري خلف من دفعه ويضحك، آخر النهار يخفي بنطاله المتّسخ عن والدته، يتناول وجبته المفضلة، ثم ينام في بيت دافئ وفي حضن دافئ، يحلم بأبطال الكرتون الذين يشاهدهم كل مساء.

بالمناسبة، كيف ينظر هذا «الداعشي» الصغير إلى «سبونج بوب» في هذه اللحظة، كافر زنديق يجب قتله؟ كيف ينظر إلى «مستر سلطع»، من الصحوات أم من الحلف الصليبي؟ وماذا عن «النمر الضخم الواقعي الطائر»، هل هو الآخر مرتدّ موالٍ للتحالف؟ وهل يفكّر في إقامة الحدّ على «باربي»، بسبب إشاعة الفاحشة بين الأطفال؟ وهل يعتبر المحقق «كاجيت» عميلاً مزدوجاً لـ«إف بي آي»؟ وهل سيظهر الطفل نفسه في شريط مصوّر قريباً، يطالب فيه بالإفراج عن «فلّة» من سجون غوانتانامو، وإلا سيعدم الرهينة الياباني؟ ثم ما ذنب هذا الطفل الصغير ليحرم من الاهتمام بساعة «بن تن» ليهتم بساعة «أبوبكر البغداي»؟ ما ذنبه لكي تتبدّل مفرداته وصداقاته من «توم وجيري»، و«السنافر»، و«ميكي ماوس»، و«النمر الوردي»، و«ماوكلي»، و«كابتن ماجد»، إلى شخصيات يتعرف إليها للمرة الأولى، أمثال «أبوقتادة الشيشاني»، و«أبوحمزة الرقاوي»، و«أبودجانة الصومالي»، و«أبوبراءة الأسترالي»، و«أبوذرّ الشيكاغواي»!

احلموا بدولتكم كما شئتم، ناهضوا الأنظمة كما شئتم، كفّروا من شئتم، احتلوا ما شئتم، حطموا ما شئتم، لكن اتركوا الطفولة وشأنها، فالطفولة ليست عبوة ناسفة، تفجرونها لتعيشوا.

لا تلبسوا العصافير «لباس العسكرة»، فالعصافير إن ارتدت غير ريشها تموت.

ahmedalzoubi@hotmail.com

  لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر