«خذوا نياشينكم وأعيدوا صديقي!»
لأننا أمة المليون محلل سياسي، ولأننا نرضع الأحداث السياسية مع «الميلوبا»، ولأننا نقع في المنطقة التي تستحوذ على أكثر من 95% من مساحات الصفحة الأولى في الجرائد العالمية، ولأننا لم نفقد أن يكون الخبر الرئيس في جميع نشرات الأخبار منا أو عنا، لذا فمن الطبيعي أن تجد في كل أسرة محللاً بين كل محلل ومحلل، ولذا فإن تناول أحداث الساعة السياسية هو الوجبة الرئيسة في اجتماعات الطعام العائلية، وفي الأحاديث الجانبية في الأعراس ومجالس العزاء!
أتحداك أن تذكر مجلساً جلسته في مسجد أو مجلس أو شيشة أو يا أخي حتى في صالون الحلاقة، ولم تتناقش أو تسمع من يتناقش في الشؤون السياسية ويفتي، بل حتى إننا نطوع الأمور غير السياسية لإدخالها في السياسة، نادي برشلونة صهيوني يدور في فلك البروباغندا العبرية، المطرب الفلاني ينتمي إلى الجماعة الفلانية، العاصفة الرملية ستؤدي إلى تغير في طبيعة العمليات العسكرية، أحلام تقول.. ولا بلاش أحلام، المهم أن كل قضية ستُربط بالنهاية بحدث سياسي شئت أم أبيت، وإلا كان الحوار ناقصاً، والخطبة عرجاء!
وفي الوقت نفسه، لن تجد حتى الأخوة الأشقاء الذين يجلسون على دجاجة، يعتقد البعض أنها تنتمي إلى ما يسمى المندي المعد منزلياً، وعبوات عدة من الدقوس، في منزل جمعهم منذ ولادتهم، لا تجدهم يحملون التحليل ذاته ولا الرؤى ذاتها، ويبدأ النقاش السياسي وترتفع الأصوات، وتبدأ الإهانات، ثم ينتهي الأمر بقطيعة بين الأرحام، بسبب وجهات نظر عن ما إذا كان الجنرال «هوشي-منه» يعشق «السوتش» أو يكرهه، وينسى كلاهما الدجاجة وعلبة الدقوس التي كانت تجمعهما!
في السنة الماضية، كدت أخسر أعزّ أصدقائي، بسبب رأي مختلف عن حدث في دولة عربية، وفي هذه السنة خسرت فعلياً أصدقاء عديدين، بسبب نقاشات حول حرب هنا وحرب هناك، رأي هنا ورأي هناك، جنرال هنا وجنرال هناك، هل يستحق نيشاناً أم لا يستحق؟! وبالأمس قال لي صديقي مادمت تحمل هذه الأفكار، فاخرج من حياتي إلى الأبد!
جبلنا على التمسك بآرائنا وتقديسها، كما نقدس أي شيء آخر، وتعلمنا أن كل من يخالفنا الرأي إنما هو يقف في صف العدو ويجب البدء به، لكن صدقني وفكّر معي، ستظل النياشين تزداد على صدور المتحاربين في هذا العالم، ومع كل نيشان أنت تخسر هنا صديقاً أو أخاً، بسبب خلافات في رأي لا يؤثر فيكما من قريب أو بعيد!
يا محلّلي السياسة في هذا العالم، افعلوا ما شئتم، والعبوا بخريطة العالم كما تريدون، لكن أعيدوا إليّ صديقي، عُد إليّ وأنا أعدك بأنني لن أطرق هذه الأحاديث مرة أخرى، عد إليّ وأعدك بأنني لن أحلل أي شيء في حياتي سوى في عيادة فحص العمال، عد إليّ وأعدك بأنني لن أتحدث إلا عن مضارّ التدخين، وهدف مارادونا في مرمى إنجلترا، وتسلق جبال الهيمالايا، وفستان مارلين مونرو.
وبالمناسبة هل تعلم لماذا قُتلت مارلين، يقال إن هناك جنرالاً.. إلخ إلخ.
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .