القيل والقال

غريبة هي الحياة، فكما يوجد أناس يضعون الخطط للبناء، هناك آخرون يضعون خططاً للهدم، وكما يوجد أناس يطببون القلوب ويهتمون لمشاعر من حولهم، هناك آخرون لا يألون جهداً في إدماء القلوب والعبث بمشاعر اﻵخرين وإرهاقها قهراً!

اﻷغرب في اﻷمر أن اﻷداة المستعملة في البناء والهدم كنقيضين، وفي علاج القلوب وفي إدمائها كنقيضين آخرين، هي أداة واحدة سهلة الاستخدام.. هي «الكلام»!

إذا كان ناقلو الكلام آفة فإن من يستمعون إليهم ويصدقونهم هم نواة هذه اﻵفة.

فإما أن يكون الكلام طيباً تطيب به اﻷنفس، ويؤثر في قوة البناء الاجتماعي، ويعالج الشقاق والتنافر، وإما أن يختلط بالنيات السيئة، فيعصف بالأواصر الاجتماعية، وبالبيوت اﻵمنة، ويخلّف جروحاً غائرة في قلوب عدد لا يمكن التكهن به من البشر.

«الكلام» بما يحمله من معانٍ وأهداف، وما يخلفه من نتائج، وصفته كل الحضارات واهتمت به كعلم، وألّف فيه العلماء والفلاسفة الكتب، ووضعوا ﻷجله النظريات، وقبل أن تعلمنا الحضارات والمؤلفات علم الكلام، علمنا الله، سبحانه، عنه في آيات القرآن الكريم وقصصه، فكانت الكلمة وسيلة الرسل واﻷنبياء وأولياء الله الصالحين لغرض بناء المجتمعات، وﻷجل استقامة الفكر، واستنارته، وﻷجل إصلاح المجتمع وتقوية نسيجه وتماسكه، كما علمتنا آيات القرآن الكريم كيف استخدم الشيطان والبشر الكلمة كمعول لهدم العلاقات وقطع اﻷرحام وبث الغل وتأجيج المشكلات والفتن، فهل آن لنا أن ننتبه لما نقوله ولما ننقله من كلام ونفكر في أثره ونتائجه؟

نحن مجتمع، ولله الحمد، ساق الله له من الخير الوفير، وأصبح العلم شعاره، والحكمة ميزة قادته وأركانه من رجال ونساء، فحق علينا أن نتعقل بعقل القادة ونستلهم من حكمتهم، وواجب علينا أن نزن ما نقوله وننقله لنحافظ على قوتنا، ولكن مع الأسف لايزال البعض يتلذذ بالقيل والقال، ويغفل عن كون ذلك قنبلة موقوتة ترتد على صاحبها فتنفجر في لحظة لم يتوقعها، ومما يغري البعض باتباع طريق الغيبة والنميمة اعتقادهم بأنها السبيل اﻷقصر والمسلك السهل لكسب القلوب، وتحقيق المصالح، والحصول على الحظوة، ولكنه في حقيقة الأمر يخسر الكثير، وأول ذلك خسارته لنفسه، ثم خسارته لكل من حوله إذا سقط قناعه واتضح سلوكه ومسلكه!

أتساءل دائماً، لماذا يصر البعض على هذا السلوك، وإغراق المجتمع بهذه اﻵفة، فمثلما ينقل البعض اﻷقاويل، يأتي غيرهم لينقلوا ما هو ضدهم، فالدنيا مثل الحلقة تدور بخيرها وشرها، فلنحسن صناعة حلقات حياتنا، وإذا كان ناقلو الكلام آفة فإن من يستمعون إليهم ويصدقونهم هم نواة هذه اﻵفة، وسبب تغلغلها وتطورها، ذلك بسبب اهتمامهم لما ينقل لهم، أو فضولهم الذي يدفع الطرف الآخر للتمادي في ممارسة سلوكه.

حكاية القيل والقال رواية لا تنتهي، وسببها نحن في غالب اﻷحيان ، فعندما نفتح الباب على مصراعيه لمن يستغلنا ولا نغربل ما نسمع، ولا نضع لذلك ميزاناً معياره الدين والعلم واﻹنسانية والوشائج الاجتماعية ومجتمعنا المتحضر، فنحن نكون بذلك كمن يغذي ويحتضن هذه الآفة!

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة