دور المجامع الفقهية في تفقيه الأمة

الأمة الإسلامية أمانة في أعناق فقهائها وعلمائها ودعاتها؛ لأنها مأمورة أن تكون حياتها كلها لله رب العالمين كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي على شرعه ومنهج الحياة الذي افترضه على عباده، وهي وإن كانت أمة العلم والقراءة إلا أن همم كثير من أبنائها قد تتقاصر عن إدراك العلم النافع بنفسها، لانشغالهم بالمعايش وعدم التوفيق لذلك كثيراً، لذلك أنيط بيان الأحكام الشرعية بالعلماء، وأمر الناس بسؤالهم كما قال سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

«لا ريب أن مسائل الناس ومستجدات حياتهم كثيرة تحتاج إلى تنزيل الأحكام الشرعية عليها».

ولا ريب أن مسائل الناس ومستجدات حياتهم كثيرة تحتاج إلى تنزيل الأحكام الشرعية عليها، وكثير منها من الأهمية بمكان، بحيث يشق أن ينفرد أحد العلماء ببيان ذلك، بل تحتاج إلى تظافر الجهود بالاجتهاد والتشاور واستظهار الأدلة ونقاشها ومعرفة مواضع الخلاف والوفاق فيها، وذلك لا يتأتى إلا للمجامع والندوات والمؤتمرات الفقهية التي يشترك فيها كثير من العلماء الأجلاء أصحاب التخصصات الدقيقة.

وقد عقد المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي من 21-24 من هذا الشهر مؤتمره الـ22 في برنامج حافل من القضايا الفقهية المالية والأسرية والتعبدية كانت محل بحث عميق وتمحيص دقيق، خرج بعدها بقرارات وتوصيات وبيان ختامي عن الحال الذي تعيشه الأمة، سيكون لها الأثر الكبير في واقع الناس العملي. وكان المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي قد عقد دورته الـ22 أيضاً، أفاد كثيراً بقراراته وتوصياته، والأمة الإسلامية تنتظر ما يخرج من هذه المجامع بفارغ الصبر؛ لأنها تعبر عن الفقه الإسلامي الحقيقي النافع الجامع.

وحيث إننا في زمن الفتن والدعاوى العريضة فقد كان للتفيهق والتعالم أثر سيئ على وحدة الأمة ومسيرة بنائها الحضاري والدعوي؛ فيتعين أن تكثف جهود العلماء في هذه الجهود لإفادة الناس في كثير من قضاياها حتى لا يغتروا بتلك الدعاوى، ويخرجوا عن الفقه الشرعي المكتسب من مراجعه وقواعده ومقاصده، ولا تكمل هذه الجهود إلا باستيعاب الكثير من العلماء الفقهاء الحكماء المعروفين المستنيرين المنتشرين في الآفاق، ليسهموا في هذه الجهود، حتى إذا خرجت الفتاوى والقرارات تكون قد أخذت بالاعتبار خصائص البلدان الإسلامية التي قد يكون لأعراف بلادها دخل في بعض الأحكام الاجتهادية التي مبناها على العرف أو المصالح المرسلة، لتكون مخرجات هذه المجامع نافعة للجميع، وهذا ما يحصل في مثل هذين المجمعين، بخلاف بعض المجامع الخاصة، كما في الهند والسودان ومصر، والمأمول من الناس أن يستفيدوا من هذه الجهود عملاً بها وتطبيقاً، والله ولي التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة